الفضول .. سلوك إنساني يسبب مشاكل أحيانا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقولون ان الفضول اول بوادر التعلم والبحث عن الحقيقة والمعرفة وكثيرا ما اثبتت هذه المقولة صحتها في عالم الاكتشافات الكونية غير انها فشلت في عالم الاكتشافات البشرية، فليس هنالك ثمة من يحب ان يطلع الناس على اسراره او خصائصه لانها تمسه وهي جزء منه، فما حركة الصغار واسئلتهم والبحث والعبث بكل ما يحيط بهم الا طريقتهم الوحيدة في التعرف والتعلم مع ان ذلك قد يؤذيهم في ظل غياب الرقيب القريب منهم فهي ظاهرة ايجابية في الصغر وليست كذلك في الكبر لانها تفتح المجال لتدخل الآخر بعنف وزجر، فليست صورة الزوج وهو يبحث في حقيبة زوجته صورة تروق للزوجة وترضى عنها وما عبث الزوجة في ملابس الزوج بحثا عن دليل او اشارة تدينه امر يجعل الزوج مسرورا. ولا نستطيع تشبيهه بالغيرة لان الغيرة انفعال يعكس حالة الحب والخوف من الغياب، والفضول دافع يعكس حب المعرفة الفطري بطريقة غبية. وللوقوف على هذه الظاهرة بشكل اوضح كان لـ «دنيا الناس» هذه الوقفة على بعض الآراء. يقول خالد اصطيف «موظف»: في مجتمعات كمجتمعاتنا تقل فيها وسائل التوعية وبرامجها الموجهة للأمهات تنشأ لدينا ظواهر سلبية يعاني منها المجتمع كله قبل ان يعاني منها الفرد القائم بها ومثل هذه الظواهر ظاهرة الفضول حيث تكون في بداية الامر حب اكتشاف وتتحول شيئا فشيئا الى مرض يصعب الشفاء منه بسهولة لانه يصبح عادة والعادة جزء من طباع الانسان فتكون البداية تجاهلا من الاهل وعدم مبالاة ولكنها عند الطفل مشكلة تكبر دون معالجة حتى اذا ما اصبح ذلك الطفل شابا تفاجأ بأنه منبوذ من أقرانه ومن مجتمعه وغير مرغوب به. وإذا ما تأملنا المشكلة بشكل جيد نرى ان المجرم الاول بحق ذلك الانسان هو أمه وأبوه بسبب تساهلهما وتجاهلهما لتصرفات ابنهما. فالفضول يكون في البداية للتعلم ولاكتشاف عوالم جديدة وأشياء حديثة يوما بعد يوم اما عندما يكبر يتحول الفضول الى غيرة وتدخل بأمور الغير وهناك فارق كبير بين الأمرين فالأول ايجابي يحث على التعلم ويمكن استثماره ايجابيا فالبحوث العلمية بأجمعها قائمة اصلا على حب الاطلاع والفضول والقوانين الناظمة للكون ايضا ترى بدايتها حب الاكتشاف وهذا من اروع طرق الاستثمار الايجابي للفضول ولولا الفضول لما اكتشفت الكهرباء ولما طار الانسان ولما علمنا شيئا عن عالمنا وأحيانا يشعر الانسان بدافع الحب ان الآخر جزء منه وأنه من حقه الاطمئنان عليه فإذا لم يتفهم الآخر ذلك تحول الامر الى مضايقات وقد يفهمها الشخص الآخر بأنها غيرة وإن كانت بكل اشكالها تعبر عن الحب. وهناك فارق بين الفضول والغيرة يجب ادراكه والانتباه اليه فالفضول هو الركض وراء الامر والبحث فيه لاكتشاف معلومة ما اما الغيرة فهي بحث عن المفقود وراء المعلومة رغبة في التملك ولسد شعور النقص فمن الضروري لكل انسان سليم ان يجمع افضل ما في الغيرة وأحسن ما في الفضول واذا ما فعل يكون قد جمع سبل الاكتشاف والمعرفة وعرف كيف يصل الى ما وراء المجهول. الفضول ذكاء!! وتقول ليلى محمد عثمان: الفضول احد مظاهر الذكاء عند الاطفال فهو يدل على النباهة وله اقسام كثيرة قد يكون بالكلام وبطرح الاسئلة الكثيرة وهو امر ايجابي وقد يكون بالحركة والفعل والاكتشاف وهو قسمان قسم محمود وقسم مذموم فالمذموم منه ما تعدى حقوق الآخرين وينتقل في هذه الحالة من فضول الى مسميات اخرى قد تكون سرقة مثلا فحب الولد لتملك الاشياء قد يجعله يأخذ كل ما يعجبه دون معرفة ان ذلك خطأ فالطفل انسان كبير لم تكتمل علامات نضجه بعد فهو يحتاج الى اسلوب قويم لافهامه الخطأ من الصواب وكما اننا نحتاج الى مراعاة ومداراة فإن الطفل يطلب منا معاملته بالمثل فله مشاعره التي ينبغي الا تجرح فإن رميه بالكلمات الثقيلة كفضولي وسارق ومشاكس قد تصيبه في نفسه فتجرح شعوره وكان بالامكان استغلال هذا الفضول لتوجيهه التوجيه الحسن والايجابي بدلا من تحطيمه ومنعه من الاستكشاف وطرح الاسئلة. فأمام الام او الاب اكثر من طريقة لطيفة لايصال ملاحظاتهم حول شخصية او سلوك او اخلاق ابنائهم وبناتهم فمثلا كان بامكان الام التي ترى ان ابنها او ابنتها يأخذون كل ما يرون امامهم ان تقول لهم يا أبنائي هذا امر غير جيد هل تريدون ان يأخذ أحد منكم ما تملكون او شيئا قريبا من ذلك باختيار الكلمات المناسبة للمواقف المناسبة تجعل من النقد امرا محبوبا ومطلوبا هذا بالنسبة للفضول عند الصغار. وتضيف قائلة اما اذا ما اكتشفنا هذا الامر عند الكبار فأظن انه لم يعد مرغوبا به ابدا فهو يدل على عدم توازن وعدم ادراك وعدم احترام شعور جميع المحيطين والمتعاملين مع ذلك الفضولي وكثيرا ما نسمع امثالا تنص على مثالب الفضول فتقول: «من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه» وقد يتحول هذا الامر الى مشاكل اسرية تنشأ بين الزوج وزوجته في حال كون الثاني بدأ ممارسة هوايته على حساب شعور الآخر فمثلا ترى بعض الازواج يفتشون الخزائن الخاصة بزوجاتهم وحقائبهن وفي ملابسهن وفي جميع ما يخصهن وقد يكون ذلك حبا للاطلاع على امور الزوجة وقد يكون نتيجة عدم الثقة وقد يكون دافعا من دوافع وسلبيات الغيرة الزائدة التي لا مبرر لها وكذلك الامر بالنسبة للزوجات غير ان الامر اخف عندما يظهر من امرأة لان المرأة بطبعها تحب الاكتشاف والبحث وتهتم بزوجها وتخاف عليه من الهروب لأخرى فيدفعها هذا الهاجس الى البحث في ملابسه وفي أغراضه اذا ما شعرت ان امرا ما بدأ يتغير. ظاهرة صحية يقول محمد عيد الحريري «موظف» باعتقادي ان ظاهرة الفضول ظاهرة صحية عند الاطفال مرضية عند الكبار صحية عند الاطفال الا ما عرفنا كيف نراقبها ونوجهها فهي قد تنقلب الى عدة ظواهر سلبية نتيجة جهل الطفل في مراحل عمره الاولى بخطرها فمثلا قد تكون السرقة نتيجة فضول وحب اكتشاف وقد يضطر الطفل للكذب نتيجة اخذه شيئا ما أحبه او اراد الاطلاع عليه وهنا يصبح عندنا ظاهرة خطيرة ومن المعلوم بداهة ان الطفل منذ نشأته ان لم ينشأ على مراقبة الله والخشية منه وان لم يتعود على الامانة وأداء الحقوق سيتعود على السرقة والغش وغيرهما من السلبيات الاجتماعية المتفشية في مجتمعاتنا ومن المؤسف ان كثيرا من الامهات والآباء لا يراقبون أولادهم مراقبة تامة عندما يرونهم يأخذون شيئا او عندما تكون معهم امتعة وأشياء ونقود ليست لهم فبمجرد ان يدعي الولد انه التقطها من الشارع او اعطاها له زميله صدقوه ولم يبحثوا في الامر للوقوف على المشكلة. ومن الطبيعي ان يبرر الولد فضوله ذلك ومن الطبيعي ايضا ان يتمادى حتى تصبح هذه العادة متشبثة به لا يفارقها وهنا تكمن المشكلة حيث انها في الصغر تكون محدودة مقبولة فتصبح في الكبر مرفوضة من جميع الناس لأنه لا يوجد احد يجب ان يطلع الناس على اسراره فالمشكلة بداية تبدأ منذ الصغر وباهمال من الاهل وتحريض منهم دون علم بأنهم يساعدون ابنهم على فعل ذلك وأذكر قصة تحمل عبرة في مثل هذا المعنى وهي ان احدى المحاكم حكمت على سارق بقطع يده فلما جاء وقت التنفيذ قال لهم بأعلى صوته قبل ان تقطعوا يدي اقطعوا لسان أمي فقد سرقت أول مرة في حياتي بيضة من جيراننا فلم تؤدبني ولم تطلب مني ارجاعها الى الجيران بل زغردت وقالت الحمد لله لقد اصبح ابني رجلا فلولا لسان امي الذي زغرد للجريمة لما كنت في المجتمع سارقا فليحذر الآباء ولتحذر الامهات من مثل هذه السلبيات التي قد تكلفهم الكثير وتكلف ابناءهم اكثر. النزعة الاجتماعية ويقول أحمد إبراهيم (موظف): قد يكون البحث والفضول والاستكشاف طبع من طبائع البشر ويظهر جليا في السنين الأولى لدى الاطفال وقد يكون الطفل مائلاً الى العزلة والانطواء والنفور من الآخرين، وأذكر وصفة للدكتور ريتشارد وردون عالم النفس في جامعة فلوريدا انه إذا كان الطفل يميل الى الانطواء والعزلة والنفور فهناك عدة طرق لعلاجه أولها تهيئة جو معين يحمل الكثير من الاسئلة ودفعه واستدراجه الى طرح الاسئلة في البيت والمدرسة وعند الاقارب، والطريقة الثانية تتركز في مساعدته على الألعاب الجماعية، فالتربية الرياضية ليست نوعا من الترف أو تضييع الوقت، كما يعتقد البعض، بل هي وسيلة لاكتساب الصحة وبناء العضلات، بل أثبتت التجارب النفسية انها من أفضل السبل لتنشئة جيل تقل فيه حدة العنف والصدمات ويخرج من عزلته ويبدأ بمشاركة الآخرين وذلك لأنها تؤصل في نفوس الاطفال جذور التعاون والثقة في النفس وفي الآخرين. ويؤكد العالم ان طاقة العنف كامنة في نفس كل انسان صغيرا كان أم كبيرا، فإذا لم توجه هذه الطاقة الى الطريق السليم الصحيح فسوف تنحرف وتنعكس سلبا عليه أولا ثم على المحيطين به، وقد تظهر بشكل فضول متكرر وطرح أسئلة محرجة لا معنى لها ولا تفيده معرفتها أو جهلها، وقد يتحول الفضول الى عادة ملازمة طوال الحياة بسبب تجاهلها عند الصغر وعدم معرفة تسييرها ايجابيا، وكثيرا ما أدى الفضول الى مشكلات يصعب حلها. وقد يقع صاحب الفضول في حرج كبير عندما يرده احد أو يتجاهله وقد يؤذي الفضولي نفسه في حال تدخله في أمر خطير، وهناك مثل انجليزي يقول: «الفضول قتل القطة». فن العلاج وتقول مريم عيسى بوشهاب اختصاصية نفسية: من دافع الحاجة الى المعرفة والفهم ينشأ لدى الطفل الفضول وحب الاستطلاع في سن مبكرة وتلح عليه رغبة قوية في التعرف على العالم من حوله وفهمه من خلال الملاحظة وطرح التساؤلات التي تبدو غير منسجمة مع مستواه العمري، فنراه شغوفاً بمعرفة اعضاء جسمه ومعرفة ما بداخل جسمه، كما تثير الاشياء المألوفة حبه للاستطلاع كالمعدات الآلية والاجهزة الكهربائية والألعاب فيحاول فكها للتعرف على ما بداخلها وتعد جدية الراشدين في الاستجابة لهذه التساؤلات وتقديم المعلومات المناسبة عنصرا مهما في بناء شخصية الاستكشاف وتقويتها لدى الطفل. وإذا رجعنا الى مفهوم الطفل فسنرى ان كل شيء في العالم ينتمي الى ما قبل المدرسة فهو يحب أخذ كل ما تقع عيناه عليه، وهنا يظهر عنده حب التملك للأشياء ولا يميز بين ما هو خاص به وما هو خاص بالآخرين الى ان يخبره أحدهم بشيء مغاير وهو عدم أخذ الاشياء من الآخرين من دون موافقتهم. وللحيلولة دون وقوع المشكلة يجب على الأم اتفاع الآتي: شجعي ولدك على ابلاغك حين يريد شيئا ما بتعليمه كيفية طلب ذلك منك. حددي ما يستطيع وما لا يستطيع أخذه من الاماكن العامة أو منازل الآخرين. دعيه يعرف شروط تلك اللعبة فقد تكون القاعدة الأساسية «عليك دائما سؤالي إن كنت تستطيع الحصول على شيء ما قبل أخذه». وأن يعرف ان هناك أشياء تخصه وملكه وهناك أشياء تخص الآخرين وملكهم الخاص. أيضا اشرحي له كيفية الحصول على الاشياء من دون سرقتها. كوني ثابتة فلا تدعي ولدك يأخذ شيئا في يوم ما وتمتنعين عن فعل ذلك في المرة التالية. أظهري له ما تعنين بالسرقة وأوضحي لولدك الفرق بين الاستعارة والسرقة واشرحي له نتائج كل منهما. دعيه يدفع ثمن السرقة من خلال اجباره على تنفيذ أشياء اضافية في المنزل أو التخلي عن أحد أغراضه الثمينة. ولكن لو نظرنا الى الأمر من زاوية الراشدين فما الذي يدفع الراشد الى البحث والاسئلة عن الأمور الخاصة بالآخرين لدرجة التطفل، وما الذي يدفع الزوج الى تفتيش حقيبة زوجته، أو البحث في دولابها الخاص وبين أوراقها، وتحضرني حالة مدرسة لديها شغف وحب في تجميع وأخذ كل ما تقع عليه عيناها من أشياء ويصل الأمر الى فتح الأدراج ومعرفة ما بداخلها وأخذ ما يلزمها لدرجة ان هذه الاشياء لا تستحق حتى النظر اليها وتكون ملكاً للآخرين وفي بعض الأشياء (أوراق، رسائل مكتوبة، أدوات قرطاسية) يكونون بحاجة اليها فتصر على أخذها رغم بعد ذلك عن تخصصها... هل هو الفضول وحب الاستطلاع؟.. لا أعتقد ذلك عندما يصل الأمر الى الناحية السلبية أو الطرف الآخر من النقيض فقد تعدى المعقول وبالتالي هناك خلل قد يكون في مفهوم الفضول وقد يكون في ثقته بالآخرين وقد يكون الشك والريبة وقد يكون تجاوز حدود الآخرين وعدم احترام الملكية الخاصة لهم وقد يكون حب التملك.. وأياً كان السبب فإن كنت من هؤلاء فأعد النظر في رؤية ذاتك واستكشف موطن الخلل لتبدأ بتصحيحه، فهذا ولاشك يؤثر سلبا على علاقتك بالآخرين ونظرتهم اليك فإن لم تستطع فاستعن بأهل الاختصاص. عادة لاارادية ويقول ابراهيم الهاشمي اختصاصي تربية وعلم نفس: الفضول أحد الدوافع الفطرية (غير المتعلمة) ويؤدي وطيفة فسيولوجية، فمن ايجابياته البحث عن مصادر التنبيه الحسي، أي الاستكشاف الحركي للبيئة ومحاولة تغييرها والتحكم فيها، كما يلعب دورا مهما في استمرار بقاء الانسان. وان استكشاف البيئة النشطة والاحاطة بها حسيا ومحاولات التحكم بها هو المدخل الفعال للتوافق مع البيئة. أما سلبياته: فالفضول إذا زاد عن حده أو قلّ عن حده يخفض من مستوى الأداء، كما ان غياب التنبيه يؤدي الى الملل وخفض الدافعية والأداء معاً. هذا بالنسبة للكبار وللصغار على حد سواء.. أما هل يمكن ان يتحول الفضول لدى الاطفال الى عادات تسبب لهم المشاكل؟ فهذا صحيح.. فالفضول كما أسلفنا غير مُتعلم ولكن يمكن ان ينمو بفعل البيئة، ومن ثم يكون الطفل إما مبالغا في فضوله أو مهملاً فيه وفي كلتا الحالتين يخفض مستوى الأداء. وبالنسبة للفضول بين الزوجين وعلاقته بالغيرة نقول: الغيرة انفعال يتكون عند الطفل في الشهر الثامن عشر، أما الفضول فهو دافع وليس انفعالاً. ولكن يمكن القول ان هناك علاقة بين دافع الفضول وانفعال الغيرة، فإن كان أحد الزوجين يشعر بالغيرة نحو الآخر، فإن ذلك ينبه لديه دافع الفضول لمعرفة كل شيء عن الآخر. وقد تلعب البيئة دورا في تكوين الفضول. بالرغم من ان الفضول (حب الاستطلاع) فطري إلا ان البيئة يمكن ان تكسب الفرد عادات فضولية جديدة، والشخص الفضولي يمكن اتقاؤه بحجب المعلومات عنه تماما حتى ولو كانت بسيطة. في هذه الحالة فإنه هو الذي يسعى لاتقائك، ولا نستطيع تسمية الفضول جرأة أو شجاعة، فالشجاعة والجرأة وسط بين طرفين هما الجبن والتهور، وكلاهما رذيلة بينما الشجاعة فضيلة. والفضول يعد رذيلة بالتأكيد، فكيف يكون الفضول.. أحد أنواع الشجاعة؟! ولكيفية جعل الفضولي ايجابيا في جميع أحواله نعمل على حصر جميع مجالات استفساراته وطلبه للمعلومات في حدود ما يجب ان يكون وتجنب المبالغة فيها، فهذا هو المطلوب. محمد زاهر

Email