فجر جديد أطل على المنطقة، بفكر ومنطق الإقبال على الحياة، الذي يستبعد الكراهية ويستحضر روحاً مختلفة تعمل من أجل صناعة مستقبل مليء بالأمل والفرص الجادة نحو تغيير وجه المنطقة للأفضل بعد عقود من الصراع كبلت المنطقة، وعطلت كل مسارات التنمية فيها.
لذلك فإن التوقيع في البيت الأبيض الأمريكي أمس على معاهدة السلام بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، هو بناء آلية علاقات مختلفة تستبدل المقاطعة بالتواصل على أساس التعاون وتحويل الأقوال إلى أفعال كما قال عبدالله بن زايد خلال مراسم التوقيع، وهي سياسة الإمارات منذ نشأتها إن قالت فعلت، وإن وعدت أوفت.
ما شاهدناه وتابعه العالم معنا، أظهر بما لا يدع مجالاً للشك، ثبات مواقف الإمارات من فلسطين قضية العرب الأولى، بمقاربات أكثر عملية، بعد أن فشلت كل المقاربات السابقة، ومن الواضح أن عبدالله بن زايد اختار الحديث باسم الإمارات باللغة العربية، لتكون الرسالة واضحة لشعب الإمارات وكل الشعوب العربية بأن الالتزام الإماراتي نحو فلسطين ثابت، وأن وقف توجهات الضم الإسرائيلية للأرض الفلسطينية، فتح الفرصة للفلسطينيين للعودة إلى التفاوض الذي اختاروه خياراً استراتيجياً، بعد أن أزالت المعاهدة أكبر عقبة أمام العودة إلى طاولة المفاوضات بالاستجابة للشرط الإماراتي بوقف الضم، بمعنى أن المعاهدة أضعفت الموقف الإسرائيلي لصالح الطرف الفلسطيني على طاولة المفاوضات، وأبقت الأمل قائماً بإحلال السلام بعد أن قارب على الزوال.
بالتأكيد نحن الآن أمام قوة دفع وطاقة مختلفة للتقدم نحو تحقيق الحلم والحق الفلسطيني بدولة مستقلة ودفع المنطقة نحو التنمية والنهوض ورسم معادلات جيوسياسية حيوية تغير ما هو سائد، نحو واقع أكثر استقراراً يلجم الأطماع الإقليمية من أي طرف كان.
فدائرة السلام التي تتشكل في الشرق الأوسط تعني تفكيك نظريات السيطرة على المنطقة لإعادة بناء امبراطوريات الهيمنة، لأن تحالف الاستقرار والتنمية والمستقبل يتشكل الآن في وجه تحالف الدمار والإرهاب الذي شوه وجه المنطقة وعطل التنمية فيها لعقود، لذلك تبدو صناعة الأمل التي تصدت لها الإمارات، هي عنوان المرحلة المقبلة، وهي ما عبر عنها عبدالله بن زايد في كلمته أثناء مراسم استقباله في البيت الأبيض.
وتعني أيضاً إخراج إسرائيل من تلك الرؤية وضمها إلى دائرة السلام والتحول إلى جني الثمار الاقتصادية للسلام، والمشاركة في بناء منظومة تعاون ترتد فوائدها على مجمل شعوب المنطقة.
أيضاً، فإن المعاهدة في طريقها لإنهاء التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، مع إعلان الرئيس ترامب عن عدم ممانعة إدارته تزويد الإمارات بطائرات فائقة القدرات، لا تمتلكها حتى الآن سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو بحد ذاته يمثل نقلة نوعية في ميزان القوى بالمنطقة يمنح الجانب العربي قدرات عسكرية نوعية وفي الوقت نفسه خدمة القرار السياسي العربي الذي افتقد مثل هذه الميزة في العصر الحديث، وهو انقلاب لصالح العرب يمنحهم القوة التي تجلب السلام وتحميه في الوقت نفسه.
ساعة السلام الحقيقي والشامل، دقت بصوت مرتفع في المنطقة، وأسمعت من به صمم، وحان الوقت لتفعيل القرار العربي بشكل جماعي من غير تردد أو سرية بالتوجه نحو السلام والخروج من الشعارات الزائفة والنظرة الضيقة إلى ساحة أرحب تستوعب الجميع وتعزل الكراهية وتنهي الإرهاب وتلجم الهيمنة، فكل ذلك ممكن فقط بلغة السلام ولغة التعاون واحترام الآخر وحقوقه، وهي لغة على الجميع تعلمها وإتقانها، لأنها لغة البناء والحياة والمستقبل والفجر الجديد.