في قصص الأولين سيل من الأحداث والمواقف والعبر، منها ما هو طريف، ومنها ما هو حزين ومؤثر، لكن الجامع بين تلك المواقف كلها: الفائدة التي تستطيع أن تستقي منها الأجيال اللاحقة كما كبيرا من الدروس لتوظفها في حياتها العملية، ومن تلك المواقف، ما عُرض على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، عندما جاءه رجل يتباكى أمامه ويشكو ابنه الذي ادّعى بأنه عقّه، ولكن الخليفة الراشد، وبالرغم من أنه وجه التأنيب والتوجيه إلى الولد، فإنه عاد وحقق في الأمر، ليكتشف أن هناك عقوقا من الوالد تجاه الولد قبل أن يعق الأخير الأول.
وعلى الرغم من أن الولد وقع في ذنب عظيم بعق والده، فإنه مع ذلك كان يختزن في صدره بعض الفقه الذي استفاد منه في عرض قضيته على خليفة المسلمين، وبعد أن كان الولد خلف قفص الاتهام في بدء "جلسة التحكيم"، تحول الأمر إلى أن أصبح الولد هو المدّعي، وهو صاحب الحق، وقد حصل كل ذلك في مجلس الخليفة العادل فاروق الأمة رضي الله عنه وأرضاه، الذي كان يحرص في كل يوم وليلة على تفقد أحوال المسلمين وقضاء حوائجهم. وهذه هي القصة كما تروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، وبعدما استمع الخليفة الراشدي إلى الوالد "المفجوع" بخلق ابنه، أحضر أمير المؤمنين ذلك الولد وأنبه على عقوقه لأبيه، لكن الأمر لم ينته عند ذلك، فقد كان تحت لسان الولد كلام وهموم وأوجاع، فقال ذلك المشتكى عليه لعمر بن الخطاب: يا امير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟
أجابه عمر: بلى.
فسأل الولد خليفة المسلمين سؤال العارف: ما هي يا أمير المؤمنين؟
قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن.
هنا انتفض الولد، وأخرج ما في بطنه من كلام، وقال: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي قبل أبي، وقد سماني جعلاً (أي خنفساء)، وفوق هذا وذاك، فإن أبي لم يعلمني من القرآن حرفاً واحداً!
وبعد هذه المداخلة، تحولت دفة المحاكمة لمصلحة الولد "المفجوع" بوالده، فما كان من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حينذاك إلا أن التفت إلى الرجل وقال: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك.