فترة الخطوبة تعد فترة جميلة للطرفين، ولكنها في نفس الوقت ساحة مليئة بالألغام والمطبات واجتيازها يتطلب وعيا خاصا وإدراكا سويا، فخلال هذه الفترة يردد الطرفان المقولة المعلومة « أنا لا أكذب ولكني أتجمل».. حيث يظهر كل منهما بغير طبيعته وأفعاله الحقيقية، ويحاول كل منهما إبراز أفضل ما عنده من حديث ومعلومات تدعم موقفه، أما سلبيات الطرفين فتكون قابعة ومستريحة وكامنة في أعمق أعماقهما.

والخطوبة تعد أيضًا جسرا لتواصل الأسرتين نحو مزيد من التعارف والتقارب ومنها يزداد القرب بين المخطوبين ما يتيح للفتاة الخروج والتأخير خارج المنزل بحجة أنها مع خطيبها، ومنها تتولد العديد من النزاعات والمطالب التي تخرج في كثير من الأحيان عن طبيعة العلاقة ومتطلباتها، ولكن رجال الدين والتعليم رأوا أن هناك ضوابط شرعية لابد أن تحكم العلاقة خلال فترة الخطبة، خاصة في ظل ظهور حالات كثيرة فسخت خطوبتها بعد اكتشاف الشاب والفتاة أن كلا منهما كان يخدع الآخر، ويظهر على غير حقيقته.

وكما يؤكد د.عبد الفتاح إدريس - أستاذ الفقه المقارن فإن فترة الخطبة فيها مزيد من الأخطاء الشائعة من قبل أسرة الفتاة مثل الاستسهال مع الخاطب فيتركونه يجلس مع خطيبته على انفراد بل يتعمد الأب ألا يبقى في البيت في وجود الخاطب، وكذلك تسمح الأم بخروج ابنتها مع خطيبها، وكأنه حق مشروع، وتترك لهما الحبل على الغارب.

وأضاف إن هناك كثيرا من الأمور التي حرمها الله سبحانه وتعالى لا يفترض أن تتم بين الخطيب وخطيبته، مثل حديثهما عبر الهاتف لابد أن يكون في حدود ما أمر الله به، وألا يتطرق فيه إلى الأمور العاطفية لأن هذا الأمر حرام شرعًا، وكذلك يحرم على الفتاة الجلوس أمام الكمبيوتر لتدخل في حوار عبر الإنترنت مع خطيبها لأن مثل هذه الأمور تحايل على شرع الله سبحانه وتعالى.

إن مثل هذه التصرفات، وفق رؤية إدريس، فيها خروج عن الشرع في مرحلة الخطبة، بالإضافة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل أن يخلو بامرأة حتى ولو كان يعلمها القرآن وحتى لو كانت مريم بنت عمران».

على الخاطب إذن أن يغض بصره، وألا ينظر إلى مواضع العورة عند مخطوبته لأنها امرأة أجنبية عنه إلى أن يعقد قرانه عليها، كذلك لا يجب أن يذهب الخاطب إلى بيت مخطوبته في غياب أبيها لأن البيوت حرمات.

والخطوبة، كما يؤكد د.عبدالمعطي بيومي ? العميد الأسبق لكلية أصول الدين عضو مجمع البحوث الإسلامية.. الخطوبة هي وعد بالزواج، ومن الممكن أن يتم الزواج بعدها أو لا يتم، موضحا أن الخاطب يعتبر بالنسبة لمخطوبته شخصا أجنبيا عنها، لا يجوز أن يجلسا سويا بمفردهما دون وجود محرم، وبعيدًا عن أعين أهلها، لأن الخطبة ليست زواجا بعقد نكاح.

وقال إن الإسلام وضع ضوابط للخطوبة، منها أن يتركز الحديث بينهما على ما يحدد المستقبل، والتعرف على رؤية كل منهما بما يفيد لخلق زواج مستقر وناجح، كذلك يجب ألا تظهر الفتاة أمام خطيبها عارية الرأس، أو بملابس ضيقة أو مكشوفة تكشف عوراتها لقوله تعالى{ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن...}، ففي هذه الآية الكريمة ينص المولى سبحانه وتعالى على أنه لا يجوز للمرأة أن تظهر بزينتها إلا أمام زوجها أو أبنائها، والخاطب شخص غريب.

من جهته تنصح د.سعاد صالح - أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية الشاب الذي يريد خطبة فتاة أن يتوجه إلى أسرتها مباشرة، بدلا من علاقة سرية بدعوى الحب والمقابلات من وراء الأهل والمعارف لأن مثل هذه العلاقة وفي هذه الحالة هي علاقة آثمة لا يرضى الله سبحانه وتعالى عنها الذي يقول في كتابه الكريم{وأتوا البيوت من أبوابها}.

وأثناء اللقاء بين الخاطب ومخطوبته، تؤكد صالح ضرورة أن يتم اللقاء بين الخطيبين في حضور ذي رحم محرم، سواء كان هذا اللقاء في البيت .. موضحة أن فترة الخطوبة من الفترات المهمة التي يجب النظر إليها بمنظور مختلف، ومن منظور إسلامي يحفظ للبنت شرفها وكرامتها، ويجعل الخاطب يحافظ على سمعة البيت الذي يدخله.

والخطوبة وفق أستاذ الفقه، هي فترة للتعارف ـ ليست بين الفتاة وخطيبها فقط، ولكن بين الأسرتين معا، موضحة أن هناك مبادئ وقواعد لا يجب تجاوزها حتى يبارك الله سبحانه وتعالى في هذا الزواج، ومن هذه الضوابط أنه لا توجد التزامات شرعية للمخطوبة تجاه خطيبها، والعكس، إنما هي مرحلة مؤقتة لمعرفة كيف يفكر الطرفان وإذا تأكدوا خلال هذه الفترة من مصداقية كل منهما، ويحتمل أيضا أن يكتشف أحد الطرفين بأنهما غير متوافقين وينتهي كل شيء.

وعن رؤية الخاطب لمخطوبته عبر غرف «الشات» على شبكة الإنترنت قالت: إن هذه اللقاءات في هذه الحالة تعتبر خلوة غير شرعية لا يجوز للخاطب أن يخلو بخطيبته مطلقًا لأن في مثل هذه الخلوة من الممكن أن يتدخل الشيطان بينهما فيحدث ما لا تحمد عقباه «ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما».

بدع مفروضة

أما د.أحمد السايح - أستاذ العقيدة فيقول: لاحظنا بدعا حاول البعض فرضها وكأنها أمر عادي بين المخطوبين مثل الخروج للتنزه والترفيه دون رقيب أو حسيب أو وجود محرم، وهذا يفرز أشياء سلبية كبيرة بين المخطوبين وبينهم من يغريه هذا التساهل ويغرر بمخطوبته، ويفعل معها الفحشاء بدعوى أنه خطيبها وبعدها يهرب بجلده، وهنا تقع الطامة بعد أن يحصل الشاب على ما يريد.

وطالب السايح أولياء الأمور بضرورة وضع الضوابط وعدم ترك الأمور تسير بهذا الشكل قائلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأب راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته والأم راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها».

وعن الضوابط الشرعية التي حددها الإسلام في فترة الخطبة قال: أولا إن الإسلام يمنع الخلوة بين الخاطب ومخطوبته تحت أي مسمى، وكذلك من الأمور المنهي عنها عدم ظهور الخطيبة بزينتها أمام الخطيب، وأن تتعامل معه كأجنبي حتى يعقد قرانه عليها على رأس الأشهاد {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}.