نساء مؤمنات

السيدة آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ..دروس وعبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتاها الله من جمال العقل وماله ما يخلد ذكراها إلى يوم الدين، ومنحها الله سبحانه وتعالى من الحكمة والإيمان والجمال ما تفوق به نساء اليوم بكثير، لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه في قصر فرعون ،عن الإيمان ولم يغرها أنها كانت زوجة لرجل لم يكتف بملك لا يدانيه ملك، فزعم أنه اله. واستخف قومه فأطاعوه ؛وعبدوه من دون الله!!

كانت تعيش في ظل مجد هذا الرجل وسؤدده، يحيط بها الخدم والحشم، والحراس، وكانت القصور التي تقيم فيها مع زوجها قصورا يفوق وصفها الخيال. نعيم وجاه ومال، وجمال وكنوز تتضاءل إلى جوارها كنوز كسرى ملك الفرس، وأباطرة الرومان. ومع ما كانت فيه هذه السيدة العظيمة من البهرج، والزخرف وزينة الدنيا وما تعامل به من الخاصة والعامة على أنها زوجة «الرب الأعلى» إلا أنها غضت الطرف عن ذلك كله، واتجهت لربها بكل حواسها وآمنت به حق الإيمان فاستحقت ما وصفها به رب العالمين بأنها مثل صالح باقٍ للإيمان يضرب به المثل لكل نساء العالمين إلى يوم الدين. فيقول تعالى في سورة التحريم آية رقم 11 «وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين».

إنها آسيا بنت مزاحم بن عبيد بن الريان ابن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف عليه السلام.. وكانت على نسبها ورفعة قدرها شديدة الجمال حسنة الخلق فتمنى الزواج منها الكثيرون إلا أن نصيبها جاء من فرعون مصر وملكها! وكان هذا الزواج هو الاختبار الذي نجحت فيه بجدارة واستحقت عليه لقب إحدى سيدات أهل الجنة الأربع.

فقد تزوجت أخبث الرجال وأكثرهم غرورا على وجه الأرض حتى أن ربنا الكريم يصفه لنا في عدة آيات بالكبر والإسراف والطغيان فيقول تعالى في سورة يونس آية رقم 83 «وان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين».

وفي سورة هود يقول عنه سبحانه وتعالى: «وما أمر فرعون برشيد». ولنا أن نتخيل زوج بهذه الصفات كيف يمكن أن تستمر الحياة معه وكم تستمر! على أفضل الاحتمالات تستمر الحياة معه عام أو عامين.. أو تستمر الحياة معه على نهجه ظلم وطغيان وكبر ! لكن ذلك لم يحدث مع هذه السيدة الحكيمة فهي لم تصطدم معه ولم تمش على نهجه بل إنها كانت تحسن معاشرته، وتجيد فن معاملته.

ولعل نموذج السيدة آسيا يصلح لأن يكون قدوة لكل النساء الصالحات التي أحيانا ما تصطدم قناعتها ومعتقداتها مع الظروف المحيطة بها.. فعليها بإتباع سيرة هذه المرأة الحكيمة، الصالحة التي استطاعت أن توازن في حياتها بين طاعة ربها وحسن معاشرة أخبث الأزواج على الإطلاق، فرعون ذلك الحاكم المتغطرس الذي ادعى أنه اله!

ولم تكن رضى الله عنها راضية عن أفعال زوجها من علو وتكبر وفساد في الأرض وتعذيب لبنى إسرائيل وتقتيل لأولادهم في ذلك الوقت. وكانت تخفى إيمانها بالله عنه فهي كانت مؤمنة من قبل أن يولد موسى . ثم آمنت بموسى بعد بعثته «عليه السلام». وقد اختلف المفسرون حول إنجاب السيدة آسيا فمنهم من يؤكد انها لم تلد مطلقا ومنهم من يؤكد أنها كانت لا تلد سوى البنات. وفى أحد قصورها التي كانت تطل على نهر النيل بمصر جاءتها إحدى الوصيفات تبشرها بوجود صندوق صغير في النهر تظن أنه كنز، فلما فتحت السيدة آسيا الصندوق رأت وجه موسى نبي الله .

الوليد وقد تلألأ بأنوار النبوة فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا وما ذلك إلا ببركة قول الله عز وجل في شأن موسى: «وألقيت عليك محبة منى» مما جعل كل من تقع عينه على موسى يشعر بالحب نحوه، حتى فرعون نفسه.

وأسرعت السيدة آسيا إلى احتضان الطفل الوليد حتى قالت لزوجها الذي هم بقتله: «قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا..».

واستجاب فرعون لطلبها رغم علمه بنبوءة الكهان من أن ملكه سوف ينهار على يد غلام من بني إسرائيل، وذلك دلل به المفسرون على علو منزلتها عنده وتمكن حبها من قلبه، بل الأغرب من ذلك أن يأمر فرعون بالتماس المراضع لهذا الوليد.

ولعل قول السيدة آسيا: «عسى أن ينفعنا» قد أنالها الله ما رجت من النفع، أما في الدنيا فهداها الله به، وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه.

وعاش موسى متمتعا ـ بحنان أمه ـ التي اعتقد الجميع أنها مجرد مرضعته، ورعاية السيدة آسيا (رضي الله عنها) له فآمنت به وصدقت برسالته ولم تكن هي وحدها التي آمنت به؛ بل آمنت به ماشطة بنات فرعون، وأخ للسيدة آسيا، وكثير من أهل القصر وحاشيته....

وبدأ جواسيس القصر في نقل أخبار من آمن إلى فرعون ورجاله خاصة وزير دفاعه«هامان» الذي جن جنونه ،وأخذ يخطط ويدبر في أساليب التعذيب لكل من آمن.. وبدأ بصغار الحاشية فأحرق ماشطة بنات فرعون وأولادها ورضيعها وقتل من آمن من صغار الحاشية وجاء الدور على السيدة آسيا فحاول فرعون إغراءها وإثناءها وإبعادها عن إيمانها فلم يفلح فأمر بربطها وصلبها في شجرة تحت قيظ الشمس الحارقة اعتقادا أنها لن تتحمل وسوف تنهار وتتراجع عن إيمانها.

إلا ان ذلك لم يحدث فثبتت وتحملت وهتفت بمقولتها الشهيرة التي خلدها لها رب العالمين في قرآن يتلى إلى يوم القيامة «رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين». فلم يتحمل فرعون هذا التحدي وذلك الإصرار فقام بفعلته الشنيعة وأقدم على قتلها بأن رماها بحجر ضخم فأرداها قتيلة. إلا أن فرعون لم يهدأ ولم يهنأ بفعلته فقد رأى ابتسامة الرضا على وجهها بعد أن فاضت روحها الكريمة.

وهى واحدة من أربع نساء في الوجود كله من لدن آدم حتى تقوم الساعة هن سيدات نساء العالمين: «آسيا بنت مزاحم، مريم بنت عمران، خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد».. ويقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسيا بنت مزاحم، ومريم ابنة عمران». وفى رواية أخرى ذكر معهن السيدة خديجة والسيدة فاطمة. وقد مضى على هذه القصة آلاف السنين تنعم فيها السيدة آسيا بالروح والريحان، ويعذب فرعون صباح مساء.

إعداد: جيهان متولي

Email