حسين غباش والغياب الأخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأخ حسين غباش الذي رحل، بالأمس، إلى جوار ربه الكريم معلناً غيابه الأخير. تعودنا منه الغيابَ. عرفته في ستينيات القرن الماضي حيث كنا أبناء حي واحد بديرة، كان في غياب شبه مستمر عن المجتمع.
ومنذ مرحلة الشباب سكنه حب الوطن، وتملكته رياح القومية العربية، حيث كان المد القومي يدفع الشباب للعمل على خلاص المنطقة من براثن الاستعمار، وكان في طليعة أبناء جيله.
خلال مراحل عمره، كان يغيب عنا طلباً للعلم وتنقطع أخباره، ويبدو من جديد. ثم يرحل إلى مهمة أخرى ويغيب عن الساحة وهكذا. وكلما عاد كان أكثر نضجاً وتوهجاً وإيماناً بوطنه وهمومه.
امتهن الفكر والبحث أسلوب حياة. درس بأمريكا وعمل بسفارة الدولة هناك، ثم تحول إلى باريس مدينة النور للحصول على درجة الدكتوراه. ثم تفرغ للعلم والبحث ناسكاً في محراب المعرفة؛ فقدم للمكتبة نتاجاً فكرياً عالياً في التاريخ السياسي والاجتماعي والديني سجل عصارة تجربته وفكره.
كتب عن التجربة الديمقراطية في الفكر العماني، وكتب عن الإمارات والمستقبل. والجزر الإماراتية المحتلة في الوثائق البريطانية. وقدم رؤية وطنية حول الإمارات والمستقبل.
ولم يشغله اهتمامه بالشأن الداخلي من الكتابة عن فلسطين بين حقوق الإنسان والمنطق اليهودي. كما اهتم بالجانب الروحي فكتب عن التصوف. وقدم كتاباً عن النبي محمد يمثل قراءة حديثة لسيرته صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الدراسات الوطنية والإنسانية. كان بحراً أمواجه متلاطمة هائجة من الداخل، وبينها قلب طيب ونفس طفل وديع يأنس له من يقابله ويود أن الحديث معه لا ينتهي. أفاد من معرفته لأكثر من لغة، وتمكنه من الانجليزية والفرنسية. وكان محاضراً متميزاً، غير أن الساحة الإماراتية لم تغنم من ذلك بالشيء الكثير. وها هو يبدأ الغياب الأخير، إلى جنات الخلد في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فلنا جميعاً العزاء ولأسرته التي تنتمي إلى قول المتنبي: وإني لمن قوم كأن نفوسهم / بها أنف أن تسكن اللحم والعظما.

 

Email