مقاصد السور ـ سورة الاسراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 19 رمضان 1423 هـ الموافق 24 نوفمبر 2002 الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والصلاة والسلام على من ركب البراق ثم عرض السموات العلى، وبعد.. سورة الاسراء من السور المكية وعدد آياتها مئة وخمس عشرة آية. ان هذا الاسم الذي حملته هذه السورة (الاسراء) من أدل مدلولات أسماء السور على محتوياتها، ولو تتبعنا هذه السورة المباركة نجدها من السور ذات الأساليب المتعددة والقصص المتنوعة، كما عالجت قضية العقيدة وموقف القوم منها، وتحدثت عن الانسان وسلوكه وعن أسس المجتمع الاسلامي، ونزهة الباري عما يقوله المشركون، وذكرت قصص بني اسرائيل، ولقد حازت هذه السورة (اسما) كان له وقع عند قريش، فإن نظرنا إلى دلالة الاسم (الاسراء) نجد حادثة الاسراء محققة الوقوع ومع ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخذها معجزة، وقد قامت البينة عندهم على صدق حدوث الاسراء به صلى الله عليه وسلم. وذلك من خلال الاحداث التي وردت في قصة الاسراء والمعراج التي تناولتها كتب التفسير، ونحن هنا في مقاصد أسماء السور، نذكر لماذا حملت السورة هذا العنوان الذي يعتبر نقلة عجيبة بالقياس إلى ما ألفه البشر، لأن قريشاً كانت تأخذ شهراً في هذه الرحلة ومحمد صلى الله عليه وسلم يذهب ويعود في جزء من الليل، ولما جاء القرآن جعل خاصية الذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية لما لهذا الوصف من دلالات عظيمة واشارات توجيهية إلى أهمية الاسراء وربط كلمة الاسراء بالعبودية لتوكيدها في مقام الاسراء والمعراج إلى الدرجات التي لم يبلغها بشر، وذلك حتى لا يلتبس مقام العبودية بمقام الالوهية كما التبست في العقائد المسيحية بعد عيسى عليه السلام، فمعرفة أسرار أسماء السور القرآنية ومناسبتها لما فيها من آيات دلت على سلامة عقيدة الأمة الإسلامية وبساطتها ونصاعتها وتنزيهها للذات الإلهية عن كل الشبه الشركية ليمحص الله المؤمنين المصدقين لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات الكون سواء الأرضية أو السماوية وليكون هذا الذي رآه صلى الله عليه وسلم درساً عملياً له من الله لأن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التعليم، وعلينا ان ننظر بعين الإجلال لهذا القرآن وان نربط أسماءه بمحتواه لأن اسم الاسراء وما دل عليه من اعجاز لم يدرك كله لأن مسمى السورة يحمل الكثير من المعاني واللطائف والاشارات التي تحمل أسرار هذا القرآن سواء أكان في أسمائه أو اشاراته أو آياته أو أحكامه، لأنه من رب العالمين، لذلك نجد من اللطائف في سورة الاسراء انه أضاف فعل الاسراء إلى الله وأنه اصطفى عبده محمد واكرمه بالاسراء والمعراج، دون تحمله مشقة الطريق، ثم التعقيب على ذلك بما قضى به على بني اسرائيل واسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام وسمي اسرائيل لأنه سرى ليلاً إلى خاله ابان هربه من أخيه عيسو أو لأن معناه عبدالله بالعبرية، ثم ختم السورة يذكر موسى عليه السلام وهو الذي أمره الله بالاسراء ليلاً بقومه للنجاة من فرعون وجنده، فالمتأمل في هذه اللطائف يجد ان يعقوب عليه السلام هو الذي سرى ليلاً ولكنه لم يسر به كما أسرى الله بعبده محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك موسى سرى ليلاً بأمر من الله له للنجاة من فرعون وجنده ولكي يأخذ فرعون إلى حتفه بالغرق، ولكنه كلف بالسير ليلاً بينما محمد صلى الله عليه وسلم أسري به ولم يكلف الاسراء، وإنما كان عليه السلام مدعواً ليشاهد من مشاهد القدرة والعظمة الإلهية ما يطمئنه على مستقبل دعوته ونصرته ومن اتبعه على كل مخالف له، وما عليه إلا الصبر، ومن جهة أخرى نجد ان تسمية السورة بأول شيء فيها يكون مقصودها اظهار ذلك الامر المنسوب إليه فعرف بذلك ان هذه السورة تقع تحت عنوان السور الواردة مقاصدها في الاعاجز لأن في حادثة الاسراء خرقاً لناموس الأسباب العادية التي تعود عليها البشر ولفتاً للأنظار لهذه القدرة الإلهية العجيبة التي لا تتقيد بناموس، فالله عز وجل هو الفعال لما يريد، وإنما أمره إذا أراد أمراً ان يقول له كن فيكون، وعلى هذا يجب ان يبنى الايمان لأن الاسراء حادثة ابتلى الله بها عقول المؤمنين وقلوبهم بعدما ابتلى اجسادهم بالمحن الكثيرة في مكة وما بعدها، فالاسراء عنوان لسورة عظيمة حملت المعاني التي يستشف منها العبر والدروس الكثيرة، فالحادثة تقيم الدليل القرآني الذي لا يقبل الشك على قدرة الله تعالى أولاً، ثم ثانيا على انه يخرق الاسباب التي أراد، وعلى أن المؤمن يلزمه ان يضع الاسباب جانباً وينظر إلى خالق الاسباب قبل كل شيء وهذه هي العقيدة السليمة التي رفعت منارها حادثة الاسراء، أفلا تكون وهي بهذا البعد الواضح اسماً لسورة كبرى في القرآن المجيد، والتالي لهذه السورة المباركة يجد في اسمها مقاصد كثيرة منها ان هذه السورة حملت دلالات اظهرت مدى قوة الترابط الروحاني بين الانبياء عليهم السلام في دعوتهم للتوحيد وبين البقاع المباركة التي هي قبلة التوحيد، والتي يظهر من جوانبها دعوة الحق للالتفاف حول هذه البقاع والدفاع عنها، فلو عقل المسلمون معاني سورة الاسراء لما كان حالهم اليوم هكذا من التمزق والفرقة التي خططت لها الصهيونية العالمية لتلتف على الوطن العربي من خلال السيطرة على فلسطين ليكون الاقصى أسيراً عندها ثم تكملة الخطة لتشمل المدينة المنورة التي كان بعض اليهود سكانها ولهذا يجب على الأمة ان تتعظ مما في كتاب الله و ان تتعرف على القرآن الكريم حتى يحميها من الزيغ والظلال والهلاك، فنسأل الله التوفيق والسداد والرشاد وهناك الكثير عن سورة الاسراء ولكن ارجو ان يكون المقصد حصل والحمد لله رب العالمين. د. سيف الجابري

Email