التنوع الثقافي في الولايات المتحدة الامريكية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: تعمل «ايدا ساوسر» استاذة للانثروبولوجيا في جامعات نيويورك. قامت بأبحاث عديدة في هذه المدينة حول البنية الاجتماعية في مختلف احياء المدينة وكانت الرئيسة المؤسسة لجمعية الانثروبولوجيا، في امريكا الشمالية. عملت ايضا في بورتوريكو وفي جنوب افريقيا، خاصة في اطار حركات التعبئة ضد مرض نقص المناعة المكتسب «الايدز». لها عدة مؤلفات من بينها: «الانثروبولوجيا الطبية والنظام الدولي»، و«الايدز في افريقيا ومنطقة الكاريبي».. ولها ايضا مساهمات عديدة في الصحف والدوريات المختصة. وتوماس باترسون هو استاذ الانثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا. له عدة مساهمات اكاديمية حول التاريخ الاجتماعي للولايات المتحدة الامريكية. من اخر مؤلفاته: «التغيرات والتطور في القرن العشرين» و«اختراع الحضارة الغربية» و«العرق والتمييز العنصري وتاريخية الانتروبولوجيا الامريكية». يساهم في هذا الكتاب ايضا حوالي عشرين باحثاً اغلبهم من الاساتذة الجامعيين الفرنسيين. المساهمات الاولى في هذا الكتاب تحدد الخطوط العريضة للمكونات الثقافية الاساسية للمجتمع الامريكي والتطورات الاساسية التي شهدتها الخارطة الثقافية الامريكية خلال القرن الماضي. السمة الاولى التي يتم التأكيد عليها هي وجود نوع من «التنافر» بين المكونات الثقافية للمجتمع الامريكي في الوقت الراهن، وهذا ما يتم التعبير عنه من خلال عدة مفاهيم مثل «التعددية الثقافية» او «النزعات الثقافية المتعددة» او «التنوع الثقافي»، كما جاء في عنوان هذا الكتاب. وتقدم «ايدا ساوسر» في هذا السياق تحليلاً «انثروبولوجيا» حول دور «العرق» و«الاثنية» في تشكل الامم، كما تبحث ايضا في العلاقة بين «العرق» و«الطبقة» و«الامة». وعلى الصعيد الامريكي يسدد نوع من «التناظر» بين الانتماء الثقافي وبين «الموقع» في هرم السلطة لاسيما وان «النخب» الثقافية قريبة من «دوائر صنع القرار» في الولايات المتحدة الامريكية. ان احد المعايير الاساسية في مسألة التنوع الثقافي يتمثل في مفهوم «الاختلاف» وفي الاسس التي يقوم عليها هذا المفهوم على اعتبار انها ذات صلة وثيقة بمفهوم «الهوية» ذاته والذي يحظى بنقاشات واسعة في مساهمات هذا الكتاب. ومن زوايا مختلفة. ان احد اقسام هذا الكتاب الستة مكرس لدراسة مفهوم الهوية على ضوء «الاختلاف البيولوجي والثقافي». وضمن هذا السياق تتعرض بعض مساهمات هذا الكتاب للعلاقة بين النزعات الاستعمارية وبين الانتماء الاثني لمجموعات كبيرة من شرائح المجتمع الامريكي الى القارة الافريقية او الى شبه القارة الهندية. وتتعرض مساهمات اخرى لاشكال تكوّن انماط جديدة من الوعي الثقافي في الولايات المتحدة الامريكية كنتيجة لعملية التحديث الصناعي التي ترافقت مع الثورة المعلوماتية وتطور شبكات الانترنت. ان مثل هذا التطور السريع خلال النصف الثاني من القرن العشرين كان له آثاره على السياسات الاقتصادية الامريكية ولكن ايضا على مفاهيم الاسرة والعلاقات الاجتماعية كلها. بل ولا تتردد الباحثة «ايدا ساوسر» في القول بأن هناك تبدلاً كبيراً في المفاهيم و«اعادة تعريف للعرق والمواطنة والتنوع الثقافي». وضمن المنظور نفسه ايضا جرى نوع من التغير في سياسات الهجرة حيث اصبح يؤخذ بالاعتبار «الخبرات التي يتمتع بها المهاجرون الجدد». ان سياسات الهجرة الجديدة والتبدلات التي يشهدها المجتمع الامريكي من زاوية التنوع الثقافي لابد وان يكون لها آثارها على ميادين التربية وعلى النمط المعاشي للعديد من المجموعات الامريكية وكذلك على مستوى معيشتها نفسه، كما توضح الباحثة «ايدا ساوسر» في الفصل الرابع عشر من هذا الكتاب الذي يحمل عنوان «البؤس والمشردون في المدن الامريكية». والنتيجة الاساسية التي تصل اليها تتمثل في القول بان الشرائح الفقيرة في المدن الامريكية قد تأثرت «ثقافياً» بالاقتصاد العالي «الشامل»، او ما هو معروف عامة بـ «العولمة» بسبب التغيرات التي عرفتها بنية العمل والمجال والزمان والهوية. واذا كان المشردون لا يشكلون ظاهرة استثنائية في المجتمع الامريكي الراهن، فإنهم قد اصبحوا بما يدلون عليه من مؤشرات منظورة وعامة يمثلون رمزاً لبؤس الملايين من الامريكيين، اي بتعبير اخر «رمزا للبؤس الجديد في الولايات المتحدة» على اساس المعايير المحددة للغنى والفقر في امريكا اليوم، وحيث هناك نوع من اعادة صياغة «المنظومة الاجتماعية» على قاعدة المعطيات الجديدة للنظام الاقتصادي العالمي «العولمة» ولكن ايضا واساساً تغير بنية الفقر ومعاييره وحيث تركز الكاتبة في هذا السياق على واقع تزايد نسبة النساء في شرائح الفقراء بالولايات المتحدة الامريكية. ان العديد من مساهمات هذا الكتاب تبيّن واقع تركيز الاقتصاد السياسي للفقر خلال سنوات الثمانينيات من العام الماضي على مسائل الطبقة والعرق، وحيث تلازم هذا الامر مع اهتمام الدراسات الثقافية على مسألة الهوية. وقد تميزت تلك الفترة على صعيد التحليلات التاريخية بالتأكيد على ان السمة الاساسية للعمل انذاك قد تركزت على اساس التمايز على اساس العرق والجنس حيث كانت الأقليات والنساء في حالة استبعاد من شرائح «الكوادر» العليا، اي ذات الرواتب العالية. هكذا كانت تلك الفترة بمثابة المرحلة «الجنينية» لزيادة شرائح الفقراء بين الاقليات والنساء، اي لزيادة حدة التفاوت وعدم المساواة في المجتمع الامريكي. ومن الظواهر الاساسية التي لاقت الاهتمام من المساهمين في هذا الكتاب واقع وجود نوع من «المناطق المغلقة على بعض الاثنيات» كما هو الأمر بالنسبة للمكسيكيين والكوبيين على سبيل المثال. هكذا يتحدث «كنت جيست» و«بيتر كوونج» في مساهمتهما التي تحمل عنوان «الاحياء المغلقة على اساس اثني والتنوع الثقافي عن خصوصيات «الجالية الكوبية» في ميامي منذ سنوات الخمسينيات في العقد الماضي، وخاصة اعتباراً من عام 1959 عندما قامت الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو ليجد عشرات الآلاف من الكوبيين انفسهم مدفوعين نحو طريق «الهجرة» ليلحقوا بـ «كوبيين» اخرين كانوا قد سبقوهم قبل عدة عقود من الزمن، الامر الذي كان له في المحصلة اثاراً سياسية وثقافية واقتصادية في مناطق تواجدهم. ووصلت موجات جديدة من المهاجرين الكوبيين «الفقراء» في مطلع عقد الثمانينيات مما زاد في بروز سمات «المناطق المغلقة» «الجيتوات» كظاهرة «ثقافية» تدخل في حسابات «التنوع الثقافي» الامريكي و«تقسيم العمل». وحسب المقاييس نفسها التي يدرس فيها الكاتبان حالة الكوبيين في ميامي، يقومان ايضا بدراسة حالة «المدينة الصينية»، ـ شاينا تاون ـ في نيويورك ويتم هنا ايضا تحديد عقد الثمانينيات كمرحلة ـ منعطف ـ شهدت وفود اعداد كبيرة من ابناء العرق الاصفر الى مدينة نيويورك كـ «مهاجرين سريين» واغلبيتهم من الفلاحين الذين تم تشغيلهم كيد عاملة رخيصة من قبل ارباب عمل من ابناء عرقهم كانوا قد سبقوهم وقاموا باستغلالهم اذ فرضوا عليهم شروط عمل لا انسانية وخرقوا بالطبع القوانين الامريكية النافذة. لكن الجميع التقوا حول شعار يقول «كلنا صينيون» واظهروا حيال بقية مكونات المجتمع الاخرى نوعا من «التضامن الاثني» مع التأكيد على الخصوصيات «الثقافية»، الامر الذي صبّ في المحصلة بخدمة تعزيز الموقف «السياسي» لارباب العمل «الصينيين» في معادلة موازين القوى في مدينة نيويورك. وما يؤكد عليه الكاتبان في ختام تحليلهما هو اهمية ظاهرة «المناطق المغلقة على اساس اثني» في المشهد الثقافي الامريكي وخاصة بالنسبة للمهاجرين الجدد الذين يعودون باغلبيتهم الى امريكا اللاتينية والقارة الاسيوية. هذا مع التأكيد ايضا بانه من الصعب تعميم مفهوم «المناطق المغلقة اثنياً» على غرار الحديث عن «هافانا الصغيرة» في ميامي و«شاينا تاون» في نيويورك. ومن بين النقاط المشتركة لمختلف المساهمات هناك التأكيد على «فرادة» التطور التاريخي الامريكي لمفاهيم الطبقة والعرق والاثنية والجنس تبعاً لآليات تكون المجتمع الامريكي نفسه منذ «الاستعمار» البريطاني، بل ومنذ «اكتشاف» العالم الجديد من قبل كريستوف كولومبس عام 1492 ومروراً بالدور المركزي الذي لعبته «تجارة العبيد» بتقديم «رافد» جديد للتركيبة الاجتماعية الامريكية عبر المكوّن المدعو بـ «السود» سابقاً وبـ «الافرو امريكيين» منذ بداية عقد الثمانينيات في القرن الماضي. ويشير «توماس باترسون» الى التوضع الكبير لعدد كبير من «العبيد» الافارقة اعتباراً من عام 1700 في «كارولينا» الجنوبية حيث كانت توجد مزارع القطن الشاسعة وقد لعب هؤلاء الافارقة دوراً مهماً ايضا في ازدهار الطبقة البورجوازية الصناعية الامريكية اذ «بدون وجود عبيد لم تكن هناك اية امكانية لتطوير زراعة القطن. وبدون زراعة القطن لم يكن هناك مجال لتطوير صناعة حديثة». كما ان «العبيد» هم الذين اعطوا للمستعمرات «قيمتها» والمستعمرات هي التي اوجدت «عالم التجارة»، وعالم التجارة كان بمثابة الشرط المسبق لوجود صناعة متقدمة. ويؤكد المساهمون على ان «العبودية» والمكوّن «الافرو امريكي» في المجتمع الامريكي شكّلا تاريخياً، احد اهم مواضيع النقاش خاصة بعد الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال والجنوب خلال سنوات 1860 ـ 1864 ولم يبرح هذا الموضوع ساحة النقاش حيث شهدت سنوات الستينيات في القرن العشرين حركات اجتماعية عنيفة في امريكا كان مصدرها «الافرو امريكيين» الذين طالبوا باعطاء السود «حقوقهم المدنية» اسوة ببقية الامريكيين. كتاب يبحث في سياسات الهوية والتعددية الثقافية، اي ما يعني الخوض في التاريخ الاجتماعي والسياسي للولايات المتحدة الامريكية... بحثا عن حق «الاختلاف»

Email