عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلى عبدي فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».

فالمراد بالصلاة هنا سورة الفاتحة لأن الصلاة لا تصح إلا بها فالمسلم يقرأ هذه السورة الكريمة كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل في الأوقات الخمسة المفروضة.

وهي أم القرآن والسبع المثاني، وقد اشتملت على مقاصد القرآن كله فهي تؤكد قضية الالوهية والربوبية لله رب العالمين، وتؤكد ضرورة العبادة التي تربط الإنسان بخالقه، وتؤكد حتمية المنهج الذي جاء به الرسل هداية للناس وأمناً .

والمراد بقسمة الفاتحة بين الله وبين عبده: قسمة المعاني أي أن نصف الفاتحة الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، ونصفها الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار إلى الله تعالى.

وقد وضح ذلك في الحديث القدسي هذا المعني: فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي.

وإذا قال العبد: ( الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي.

وإذا قال العبد: (مالك يوم الدين) قال الله تعالى: مجدني عبدي أو فوض إلي عبدي.

والفرق بين التحميد والتمجيد أن التحميد مرتبط بجميل الفعال والتمجيد مرتبط بصفات الجلال، والثناء يجمع بينهما، فالثناء يكون لصاحب الجميل ويكون لصاحب العظمة.

وجاء التعبير بالتفويض عقب: (مالك يوم الدين) لأن الله هو المنفرد بالملك حقيقة ومجازاً في ذلك اليوم كما قال تعالى: (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). أما في الدنيا فقد يدعي البعض لنفسه ملكاً، ومع أنه في الحقيقة ادعاء مجازي إلا أنه قائم لكن الآخرة لا يتصور فيها ادعاء الملك لأحد غير الله تعالى.

وإذا ما انتهى العبد في قراءته للفاتحة من تحميد مولاه وتمجيده والثناء عليه قال: ( إياك نعبد وإياك نستعين). وهذه نقطة فاصلة بين ما لله وما للعبد، بمعنى أن الله المنعم المتفضل مالك الملك والملكوت هو المستحق وحده للعبادة وعليه التوكل وبه وحده الاستعانة لأنه الغني وما سواه فقير إليه.

ويوضح الحديث القدسي هذا القسم بقوله: فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.

فطالما استجاب الإنسان لربه ومولاه وعرف عظمته وجلاله وكبرياءه، واقر له سبحانه بالعبودية، واستجاب له في العبادة واستعان به في كل أموره - كان حقاً على الله أن يمنحه إجابة الدعاء وييسر له سبيل الهداية، ويمده برعايته وعنايته ويتولاه بلطفه ويعصمه من الزلل والانحراف ويأخذ بيده بعيداً عن أولياء الشيطان .

رجاء علي