الزي العربي في مدينة حلب السورية تراث وفولكلور وتاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يدور الحديث عن اللباس العربي في اي من المحافظات السورية، يتبادر الى الذهن فورا مدينة حلب التي ارتبط بها الزي العربي والرقصات العربية المتنوعة الاصيلة، والتي استمدت منها بقية المحافظات ازياءها العربية مع بعض الاختلافات البسيطة. وقديما كان الاعتقاد السائد بين الناس بأن من يرتدي هذا النوع من اللباس هم وجهاء الحارات وكبارها من «القبضايات» واصحاب الزعامة فقط، او الميسورون الذين يتميزون بالثراء والشجاعة. اما الآن فان النظرة الى اللباس العربي اختلفت كثيرا عما كانت عليه في الماضي، حيث لم يعد ارتداؤه حصرا على هذه الشريحة من الناس، بل امتد ليشمل ولو بشكل بسيط فئة الشباب الغيورين على هذا التراث والذين بدأوا ينادون باعادة احيائه والحفاظ عليه من الزوال والانقراض. ويعود تاريخ ظهور اللباس العربي في حلب الى عدة قرون مضت ولكن انتشاره بشكل واسع وكبير كان في عهد العثمانيين فقط. كما تعود حرفة «الزركشة» او «التخريج» المرتبط باللباس العربي الى ما قبل العهد العثماني، وتحديدا الى عهد الدولة الاموية حيث تقول المصادر بأن معاوية بن ابي سفيان كان يهتم كثيرا بمظهره وثيابه نتيجة التوسع والرخاء الذي شهدته الدولة آنذاك وفي عهد الدولة العباسية تأثر الزي العربي بفنون ازياء الشعوب الاخرى قليلا كالرمانية والفارسية والصينية وغيرهم، ولم يستقر بشكله النهائي المعروف في مدينة حلب الا في زمن العثمانيين. وعموما كان لباس عامة افراد الشعب من الحلبيين في ذلك الوقت عبارة عن «قمباز» وتحته خاصة متواضعة، ومرد ذلك يعود الى صعوبة المعيشة والفقر الذي كان سائدا آنذاك. ومن اراد من افراد الشعب ان يرتدي اللباس العربي في المناسبات والاعياد، كان يستأجره استئجارا لقضاء حاجته، ثم لا يلبث ان يعيده ليرجع بعد ذلك الى ارتداء لباسه المعتاد. ومن لم يستطع ان يستأجر كامل الزي كان يكتفي باستئجار «الشروال» فقط ليرتديه تحت «القمباز». ورغم مرور الزمن لم يتغير عدد قطع اللباس العربي منذ تاريخه وحتى الآن، حيث يتألف هذا الزي من تسع قطع اساسية وبعض القطع الثانوية، والقطع الاساسية هي: الشروال ـ السمنية ـ العرقية ـ قميص الملس ـ الصدرية ـ الملسان ـ الكمر ـ المنتوفة الحمراء او السوداء حسب المناسبة واخيرا الشالة، اما المانية والجزدان فهما عبارة عن قطع ثانوية وارتداؤها يعني الكمال والفخفخة ليس اكثر. ولفة الشالة كما كان العرف السائد تعتبر من اهم القطع الرئيسية حيث كانت الضرورة تقتضي بأن تكون افرادية كلفة واحدة او ثلاث او خمس او سبع .. الخ. وافضل الشالات واغلاها كانت تلك التي يصنعها السجناء حيث كانت لكل لفة دلالة معينة، فعندما يضع الرجل على خصره شالة بثلاث لفات، فان هذا يعني انه قد قام بقتل ثلاثة رجال بغض النظر عن الاسباب والدوافع، او انه قد قام بثلاث بطولات في حياته، والاكثر يعني القتلى الاكثر او البطولات الاكثر. وبفضل بعض الرجال الكبار الغيورين على هذا التراث وبعض الشباب القلائل في مدينة حلب بدأ اللباس العربي يستعيد امجاد تاريخه ولكن ببطء شديد. كما درجت العادة ان تشارك في كل مناسبة عرس او فرحة ما فرقة للرقص العربي شريطة ان يرتدي عناصرها الزي العربي الكامل وبغض النظر عن دلالات لفات الشالة، حيث تقدم تلك الفرقة فقرات متنوعة من الرقص العربي والحركات العربية الحلبية الاصيلة، الامر الذي ساعد بشكل او بآخر على الحفاظ بعض الشيء على هذا الزي الشعبي الفولكلوري الاصيل، بما في ذلك توصيات وطلبات الجاليات السورية المغتربة في مختلف بلدان العالم للحصول على نماذج من هذا الزي وعرضه بالتالي امام مختلف الشعوب بغية اطلاعهم على جزء بسيط من تراث وتاريخ ازيائنا الشعبية القديمة التي كانت وما تزال تفخر بها مدينة حلب. حلب ـ محمد مسلماني

Email