قليل من الوجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: يرتل الشاعر صقر عليشي صوته في مجموعته الشعرية الثالثة على تنغيمات مطربة ويقفو اثر الرائج في جادة معروفة وميسورة وممهدة ويستقر على اداء شخصي ثابت وخطة مقعدة، قصيدته حريصة على الطاعة لصدى ايقاع اذني قديم ومثابرة على ولائها لتعاليم المنبر وطقوسه، الشاعر يقول ويبشر وفي ذهنه المنبر والجمهور وبانتظار التصفيق، وهو يقول قولاً صريحاً واثقاً يشبه الحقيقة الشعرية، قوله لا همس فيه او مخاتلة او تردد او ضباب او لعثمة والمعنى تحت السيطرة وفي قوس الكلمة ما ان يشد الوتر ويسددها حتى يصيب الدريئة. قصيدته موزونة ومن جمالياتها ما تخلقه صدفة القافية وما تنزلق من كلمة طارئة بصدفة رويّها وهي تحاول استحضار الماضي بطريقتين، الطريقة الثانية هي ولعه بالتضمين، التضمين استراتيجية مضمونة التسويق، فكل قصيدة تستدعي شطراً او جملة او عجزاً او صدراً لبيت قديم او مثل بائد او سائر او شعبي او ديني ليتم توظيفه ومؤاخاته والانتساب اليه وتأكيد استمرار القديم جديداً او تعليق الحس الراهن الى جلال الاسطوري والاثري والديني، جملته موسيقية، جواب، لقرار، وهو هنا يفتح اللعب الشعري على الماضي لكنه لعب محدود مستدرج واتكائي وليس اشتغالاً على الذاكرة الشعرية العريضة وهو لغوي وفي اتجاه واحد (قربا مربط القصيدة مني، واتركاني اهيم في فلواتي، قربا مربط القصيدة مني، ان بي رغبة لتدمير ذاتي»، وهكذا. والشاعر صقر عليشي لا ينكر الظلال النزارية التي يتفيأ بها وقصيدة منتهى الياسمين المهداة الى نزار قباني اثبات على انتسابه لحوزته ومن مريديه وهي تتباهى بهذه التبعية الشعرية وتتبرك بغنائيته وتعاليمه: من تحسيس الصورة ودغدغة النافر من الغريزة مع الميل الى اليومي والشعبي والبساطة، قصيدته فكرة وموضوع، والموضوع دارج والفكرة مألوفة وافكار قصائده تتراوح بين، امرأة امام المرآة، غرفة باب توما، اليسا (اسم الحبيبة)، دعاء، نساء، قبلة تحت الدرج، شارع باب توما وهي مواضيع تتكرر في قصائد مجايليين واسلاف واحياناً بالعناوين ذاتها مع فارق مكاني واسمي.. وفي اكثر من نص يخاطب القصيدة كياناً مخلصاً، القصيدة مع الجسد موضوعان اثيران، متن مجموعته ضئيلة الهامش وقصيرة الموجة والاشعاع، القصيدة او احد عناصرها والجسد او أحد هضابه او انهاره فيما يتبادلان الحمولة الشعرية في مغازلة المستمع والتوسل اليه، ليس القارئ، انما المستمع الجاهز، مشنف الاذنين، مكبوت الغريزة ويتناوب الشاعر تمثيل دوري المبشر والفحل! وهو احياناً يكشف سر لعبته الشعرية للقارئ فيكشط جلد القصيدة ويقوم بتشريحها وتبين شرايينها واعصابها ودمها وكما في قصيدة ندم (شمرت عن قلبي، وجئت اليكم، يا ليتني شمرت عن سيقاني) كاشفاً عن آليات الازاحة لتي قام بها وعملية استبدال الساعد مرتين: مرة بالقلب ومرة بالساق، وهو هنا اشبه بالساحر الذي يخرج الأرنب من قبعته ثم يبين على المسرح الجيب الذي كان يخفي فيه الارنب! يشاكس مضمون قصائده وافكارها المشاغبة والشقية والمرحة عنوان المجموعة الغنائي الوقور والرومانسي، مثل مجايليه حكم البابا وجودت حسن.. الشغب محصور في تلبس الشاعر شخصية المراهق المغتلم لا في ارتياد مناطق وعوالم شعرية مجهولة. تختصر قصيدة صقر عليشي الى بيت يتكرر ويعاد ويختزل الى رغبة واحدة تتوسل متلقيها بآلات علم البديع بطباقه وجناسه واستعاراته.. فالقصيدة الطويلة بيت ممدد شعرياً، يقول فيه كل شيء وان كان يقوله ببساطة مطبعاً بين الايقاعي والشعبي (والله سوف اقولها هذه القصيدة، وغدا سأنشر عرضها، فوق الجريدة) وهي، توصيفاً، قصيدة شذرة موقعة وموزونة. وقليلاً ما يكتب قصة شعرية قصيرة كما في (زنابق تدخل غرفة باب توما) التي سجل فيها سير حب انتهت بنهاية الحكايات السعيدة (هي الان ام حنون، يفيض بنعمتها بيتها، استقرت، وصار لديها بنات). يشيد عليشي قصيدته بمفردة واحدة وآلات قليلة واحساس وحيد وقلما تتشظى او تفيض او تتجاسر على السباحة الا في الشط والضحضاح فهي تتخاذل عن الابحار في اللجة وتتجنب الخضم ايثاراً للأمان وخشية الغرق. احمد عمر

Email