أقدم معهد للموسيقى العربية يفقد صفته بعد 78 عاماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان2: القاهرة ـ هشام الهلوتي: أخيرا وبعد إغلاق استمر خمس سنوات يعاود معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس استئناف نشاطه لكن هذه المرة سيختلف نشاط المعهد بعد أن انتقلت تبعيته لدار الأوبرا فلن يكون منارة لعلوم الموسيقى، كما كان طوال عمره منذ إنشائه عام 1923 فهذه المرة سيكون مجرد نافذة للمستمعين من عشاق الموسيقى العربية بعد أن قررت دار الأوبرا تخصيص المعهد لعروض فرق الموسيقى العربية الثلاثة (الفرقة القومية للموسيقى العربية) و(فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية) و(فرقة الإنشاد الديني) إلى جانب متحف عبد الوهاب الذي يضم معظم مقتنياته الشخصية والموسيقية، وإذا كان المعهد قد فقد صفته التعليمية ا لتي أنشئ من أجلها منذ 78 عاما إلا إننا بالتأكيد كسبنا المبنى كقيمة أثرية وتحفة معمارية نادرة كادت أن تنهار عقب زلزال 1992، كما كسبنا أيضا متحف عبد الوهاب، وقبل أن نقوم بجولتنا داخل المعهد الأثري الذي أوشك على الافتتاح وبتكلفة تصل إلى ثمانية ملايين جنيه نحاول القاء الضوء على تاريخه وجزء من الصراع الذي كاد أن يضيع هذا المبنى العريق. حكاية نادي الموسيقى الشرقية يعتبر معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس أقدم المعاهد الموسيقية في الشرق الأوسط فقد تخرج منه عظماء الموسيقى والغناء في مصر والعالم العربي مثل عبد الوهاب وفريد الأطرش ورياض السنباطي ومحمد الموجي ومحمد فوزي، وقد بدأت فكرة إنشاء المعهد مع بدايات القرن العشرين على يد مجموعة من عشاق الموسيقى على رأسهم مصطفى بك رضا نجل أحمد باشا رضا أول مصري يشغل منصب مدير السكة الحديد وكان يعشق العزف على آلة القانون ومعه صفر علي المطرب المعروف ويعقوب بك عبد الوهاب والمستشار محمد بك فتحي ود. محمود أحمد الحفني والد الدكتورة رتيبة الحفني هذه المجموعة قامت بإنشاء ناد للموسيقى الشرقية في بداية الأمر بشارع محمد علي وبعد الاقبال الشديد على النادي تقدم مصطفى بك رضا وكان على علاقة طيبة بالقصر الملكي بطلب تخصيص قطعة أرض بشارع الملكة نازلي (شارع رمسيس حاليا) تبلغ مساحتها ألفى متر فوافق الملك فؤاد على الطلب وتم توقيع عقد إيجار بين الحكومة المصرية ويمثله إسماعيل صدقي باشا وزير المالية في ذلك الوقت وبين نادي الموسيقى الشرقية ويمثلها مصطفى بك رضا بتاريخ 30 مايو 1921 على أن تشغل مساحة المباني 1200 والباقي يخصص كحديقة للنادي ويبدأ عقد الإيجار منذ 26 ديسمبر 1920 حتى 25 ديسمبر 1925 نظير إيجار قدره جنيه واحد فقط سنويا، واشتمل العقد على بند تشترط فيه الجهة المؤجرة وهي الحكومة المصرية على رئيس النادي عدم استخدام الأرض في غرض آخر غير الذي خصصت من أجله، وقد بدأ العمل في إنشاء المبنى عام 1921 وتم افتتاح النادي في حفل ضخم حضره فؤاد الأول ملك مصر، وكانت مهمة النادي منذ افتتاحه قاصرة على إحياء تراث الموسيقى العربية والأداء الغنائي والعزف على الآلات ثم رأي القائمون على النادي أن هناك رسالة أخرى يجب أن يقوم بها النادي تجاه عشاق الموسيقى وهى التعليم على أسس صحيحه فانشأوا ما سمي بالفرع المدرسي للنادي وسمى بعد ذلك المدرسة الملكية للموسيقى العربية وكتبوا للملك فؤاد لكي تتبع هذه المدرسة وزارة المعارف وبالفعل حصلوا على الموافقة عام 1933 ثم أطلق عليها بعد ذلك معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية وبعد قيام الثورة سمى بمعهد الموسيقى العربية. مشاكل متراكمة في عام 1959 صدرت توصية من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالغاء نادي الموسيقى الشرقي وتخصيص المبنى بالكامل لمعهد الموسيقى العربية وكان يشغل منصب رئيس النادي في هذه الفترة الموسيقار أحمد شفيق أبو عوف الذي قام بإعادة إشهار جمعية نادى الموسيقى مرة أخرى بعد قرار وزارة الشئون الاجتماعية باعادة الجمعيات، وبالفعل اشهرت الجمعية تحت مسمى جمعية نادي الموسيقى العربية وفي عام 1966 أنشأ قسم الدراسات الحرة ومن خلال هذا القسم تم تخريج أعداد كبيرة من الموسيقيين دون التقيد بسن أو مؤهل دراسي محدد وفي عام 1970 عندما انتهى رسميا عقد الإيجار بين الحكومة وجمعية معهد الموسيقى العربية بدأ النزاع بين وزارة الثقافة من جهة وبين الجمعية من جهة أخرى ولكن نظرا لظروف الحرب لم يلتفت أحد لهذا النزاع وفي عام 1974 أصدر الرئيس الراحل السادات قرارا جمهوريا بمد الإيجار للمعهد لمدة عشر سنوات أخرى لحين نقل المعهد إلى مكان آخر وانتقل المعهد بالفعل إلى أكاديمية الفنون ولم يعد في المبنى سوى جمعية معهد الموسيقى العربية واعتبر المسئولون بوزارة الثقافة هذا الوجود للجمعية (غير شرعي)، وفي عام 1981 قام رئيس الجمعية بتأجير حديقة المبنى إلى جلال الشرقاوي الذي بني عليها مسرح الفن وأجرت الجمعية جزءا آخر إلى هيئة المسرح التابعة لوزارة الثقافة لتنشئ عليها ما سمي بمسرح الشباب ليزداد الأمر تعقيدا مما استدعى تدخل الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أوصى بتسليم المبنى كاملا مع أرض الحديقة إلى وزارة الثقافة، وفي عام 1982 تم تشميع المبنى بالشمع الأحمر وجاءت البلدوزرات لهدم مسرح جلال الشرقاوي ومسرح الشباب لكن الأمر لم ينفذ وظلت الجمعية تمارس دورها من خلال قسم الدراسات الحرة حتى عام 1992 وهو العام الذي استصدر فيه فاروق حسني وزير الثقافة قرارا من رئيس الوزارة في ذلك الوقت د. عاطف صدقي باعتبار المبنى أثرا من الآثار الإسلامية والقبطية. حتى هذا القرار أيضا لم تستطع وزارة الثقافة تنفيذه حيث اعتبر المستشار حسن طاهر رئيس مجلس إدارة المعهد في ذلك الوقت هذا القرار بمثابة مؤامرة من وزير الثقافة على المعهد الذي كان عدد الدارسين به يصل إلى 1200 طالب في تخصصات مختلفة و65 أستاذا واستند حسن طاهر في ذلك إلى أن المادة الأولى من قانون الآثار تشترط مرور مائة عام على أي بناء لكي تعتبره أثرا ولم يكن مر على المعهد عام 1992 عام صدور القرار (سوى 69 عاما فقط، ولذلك فقد لجأ وزير الثقافة إلى المادة الثانية من قانون الآثار التي تستثنى الأثر من شرط المئة عام بشرط آخر وهو أن يكون الآثر إسلاميا وبالفعل أصدر رئيس الوزراء قرارا بضم المبنى إلى الآثار الإسلامية ولكن مجلس إدارة المعهد رفض ورفع الأمر إلى القضاء واستشهد المجلس برأي استاذة الآثار الإسلامية الدكتورة سعاد ماهر التي أكدت أن المعهد ليس أثرا إسلاميا بكل المقاييس و اشارت إلى أنه من غير المعقول أن كل مبنى على شكل (قبة) يصبح أثرا إسلاميا وكل ما في الأمر أن هذا هو نمط المعمار في ذلك الوقت ولكن محكمة القضاء الإداري أجهضت محاولات جمعية الموسيقى العربية للاحتفاظ بوجودها بالمبنى عندما أصدرت حكمها في الدعوى رقم 4714 بتاريخ 24 أغسطس 1995 برفض الدعوى ضد وزير الثقافة ورئيس دار الأوبرا لرفعها من غير ذى صفة، وعلى الفور أصدر فاروق حسني وزير الثقافة قرار رقم 36 لسنة 1995 بتسليم المبنى بكل ملحقاته إلى الهيئة العامة للمركز الثقافي القومى (دار الأوبرا) على أن تقوم الهيئة بإعداد المبنى لتقديم العروض الفنية الموسيقية واستغلاله في كافة الأغراض الثقافية، وعلى الفور قامت أيضا إدارة الأوبرا بتنفيذ القرار واستولت على المبنى بواسطة طاقمها الأمني وقامت بتشميع جميع حجرات المبنى ووضعت عليه حراسة مشددة. إنجاز المشروع والغريب أنه رغم كل هذه المحاولات من جانب وزارة الثقافة لاستعادة المبنى الأثري إليها إلا أن مشروع ترميم وتطوير المبنى تعثر كثيرا بسبب مشاكل إدارية وتمويلية وظل العمل متقطعا طوال ست سنوات إلى أن تولى الدكتور سمير فرج رئاسة دار الأوبرا فأعطى للمشروع دفعة قوية وقام بإسناد مهمة إدارة المبنى إلى أحد تلاميذه وهو عماد حمدي الذي تفانى خلال الشهور الماضية في إنجاز مراحل ظلت متأخرة سنوات وقام بالتنسيق بين شركات في وقت واحد بعد أن قامت وزارة الثقافة بتوفير الدعم المالي للمشروع وبالفعل أوشك المشروع على الانتهاء وبدأت الاستعدادات لافتتاحه خلال النصف الثاني من شهر مايو المقبل، وقد شملت التجديدات ترميم المبنى الأثري وتجديد الرسومات الموجودة على جدرانه بواسطة خبير الأرابيسك والأعمال الإسلامية أسعد نديم أشهر من عملوا في هذا المجال. ويشير عماد حمدي مدير معهد الموسيقى أو مركز الموسيقى العربية إلى أن جدران المبنى تضم تشكيلة معقدة وثرية تكاد تكون جامعة لكل فنون المعمار الإسلامية وهذا ما يجعل اعادتها إلى وضعها الأصلي مهمة في غاية الصعوبة وتتطلب جهداً كبيرا حيث أن العمل فيها يتم بشكل يدوى، وهذا الأثر يعتبر ثاني أكبر مكان بعد القلعة يضم مساحات يجمع بين الفن الإسلامي والفن العثماني حيث أن المهندس الإيطالي الذي قام بتصميم وتنفيذ الزخارف في الأسقف والجدران مزج بين التراث الإيطالي والتراث الإسلامي فأخرج لنا هذا التزاوج الرائع، وأشار أيضا إلى تعدد الوحدات اللونية في الجدران والأسقف خاصة في المسرح الكبير والتي تضم الوحدة الواحدة منها أكثر من عشرة ألوان، أما واجهة المسرح فهي من الأعمال الفنية النادرة حيث أن بها أكثر من مستوى وقد اكتشف الفنيون العاملون أن بها أجزاء كبيرة محورة عن الفن القبطى والفنون المعاصرة لزمن إنشاء المبنى ضمنها ما هو محور عن الفن الزخرفي اليوناني ومنها ما هو منقول عن زخارف رومانية، وأشار أيضا إلى أنهم وصفوا سقف المسرح بأنه شبيه بأسلوب مايكل أنجلو في العمل حيث أن ألوانه لا يوجد بها لون واحد صريح كما أنها قمة في التناسق والتناغم. تطوير وتحديث ويضيف عماد حمدي مدير المعهد قائلا ان هناك خطوات كثيرة تمت في إطار التطوير والتحديث منها خشبة المسرح التي تم توسيعها وتغيير أرضيتها بأخشاب جديدة وتعميق غرفة الاوركسترا ( الحفرة) وعمل وحدة تكييف مركزي تشمل المبنى الأثري كله دون أي تشويه للشكل الأصلي وهذا بالطبع إنجاز كبير للشركة التي قامت بعملية التكييف المركزي، كذلك تم تجهيز المبنى بنظام إطفاء للحريق متقدم جدا آلي ويدوي وشبكة إنذار مبكر وشبكة مراقبة أمنية عبارة عن 26 كاميرا و24 (مونتور) تعمل على مدى 24 ساعة إلى جانب اسناد عملية النظافة لشركة متخصصة هذا بالنسبة للمبنى الأثري أما المبنى الإداري الذي تم تشييده على نفس النمط من الخارج فقد روعي فيه أن يكون منفصلاً عن المبنى الأثري بحيث لايسمح للإداريين بدخول المبنى واستهلاكه، ويضم المبنى الإداري إلى جانب حجرات الموظفين قاعتين للتدريب وهما معزولتان بمواصفات إيطالية ويمكن أن تتحول أي منهما إلى مسرح صغير يضم 50 مستمعا، كذلك يوجد في المبنى قاعتان للتدريب الصولو، وأنشئت أيضا كافيتريا بالمبنى الأثري خاصة بالجمهور، وكافيتريا أخرى بالمبنى الإداري خاصة بالعاملين، المشكلة الوحيدة التي تواجهنا الآن هي عدم وجود مكان لانتظار السيارات الخاصة بالجمهور وكذلك إغلاق الفنان جلال الشرقاوي للمنفذ الوحيد الذي يسمح بدخول الديكورات والمعدات على خشبة المسرح وعن المتحف الخاص بالموسيقار محمد عبد الوهاب قال عماد حمدي مدير المعهد ان المتحف أقيم بالدور الثاني على مساحة 150 مترا وقام بتصميمه من الداخل بيت خبرة إيطالي ويضم المتحف مقتنيات الراحل الموسيقار محمد عبد الوهاب بداية من غرفة نومه ومكتبه الخاص ونظاراته الطبية والشمسية والكرسي الهزاز الخاص به وبعض ملابسه حتى الأوسمة والنياشين، كما يضم المعهد مكتبة موسيقية بها كل أعماله. يضم المعهد أيضا في طرقاته بعض الفاترينات المقامة بشكل متحفي تضم آلات موسيقية نادرة مثل عود الموسيقار الكبير الراحل أمين المهدي وعود محمد عتمان وداوود حسني وسيد مكاوي ومحمد الموجي وكذلك بيانو عربي نادر، كما سنقوم بوضع صور نادرة في نفس البراويز القديمة بعد أن تم ترميمها ومن هذه الصور، صورة عبده الحامولي وأحمد شوقي بك وسلامة حجازي وحافظ إبراهيم وصور لأعضاء المعهد القدامى.

Email