رواية «الجائحة» – الحلقة الثانية عشرة «العناية المركزة» الاثنين 27 يناير 2020

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الشرق الأوسط، على أهبة الاستعداد لكورونا»، كان هذا عنوان التقرير الذي أرسلته سارة لوكالة الأنباء أول أمس 25 يناير 2020، وتضمن عدداً من الإجراءات المشددة التي تتبعها دول في الشرق الأوسط لمواجهة فيروس كورونا المستجد، كوفيد 19، كالإمارات والسعودية والبحرين والكويت والأردن.

وقد نُشر هذا الصباح، الاثنين 27 يناير 2020، على موقع الوكالة وفي عدد من الصحف، فبدأت تتناول إفطارها، برتقالتين، وهي تنشر عنوان التقرير على صفحتها في «تويتر» مع الرابط الإلكتروني المخصص وراحت تقرأ التعليقات وهي تكمل إفطارها:
((الله يحمي العرب من هالجائحة..
معقول ما يجينا كورونا»؟!
هناك دول في الشرق الأوسط لم تذكريها أستاذة سارة !
اليوم تأكد إصابة كل من ليتوانيا وهولندا ونيجيريا وبيلاروسيا ونيوزيلندا وأذربيجان.. لازم نتوقع الإصابات لدينا أستاذة سارة، عادي عادي، لازم نكون مستعدين.
إنتي ما عندك سالفة... الله يعينك على حياتك..
ممكن تزودينا بمعلومات أكثر !

انتبهوا فيروس كورونا يتفشى بالنمو الأسيّ للعدوى !!!

هذي...أختي سارة.. صورة لمريضة متعافية من الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد... تصورت مع العاملين الطبيين قبل مغادرة مستشفى ليشنشان... في ووهان حاضرة مقاطعة هوبي بوسط الصين... وخرج أيضاً أمس الخميس مريض مصاب بفيروس كورونا الجديد من المستشفى بعد شفائهم..)).

لم تكمل سارة قراءة التعليقات، شعرت بمسؤولية كبيرة في ظلّ أنها كانت ثاني حالة اشتباه قبل أسبوعين، وعلمت وتعلمت عن هذا الفيروس أكثر من أي صحفي آخر في الوطن العربي خلال وجودها في الحجر المنزلي، فأصبحت هي وموقع وكالتها وصفحتها في تويتر وفيس بوك وإنستغرام مرجعاً هاماً لكل ما يتعلق بهذا الفيروس الذي يثير الذعر في العالم أجمع.

والذي جعلها أيضاً، تفكر لاحقاً، بتأسيس وكالة أنباء رقمية خاصة بها. استيقظت نتالي، التي تشبه والدها في بنية جسدها القصير والبدين، وكانت قد بلغت 11 ربيعاً، وراحت تفرك عينيها، وقفت أمام الباب وهي تسأل سارة: «هل جاءت أمي؟»، قالت سارة: «هلا حبيبتي، ماما ما زالت في المستشفى، سنذهب لزيارتها اليوم، بعد المدرسة، أين تاليا؟.

هزّت نتالي رأسها بشعرها البُنيّ الطويل تُشير إلى الغرفة: «نائمة» فوقفت سارة، ونادت على آني وطلبت منها تحضير إفطار لنتالي وتاليا، وقالت لنتالي إن عليها أن تغسل يديها ووجهها جيداً ثم تغير ملابسها لتتناول إفطارها.

رنّ هاتف سارة الجوال، نظرت إلى المتصل، إنه سوزيان اللئيم، ابتعدت سارة عن ناتالي، خرجت إلى حديقة بيتها، كان هواء لذيذاً منعشاً ذلك الصباح، جلست على مقعد خشبي، قالت:

«هاللو»، فقال سوزيان وهو يصرخ: «أنت سبب كل مشاكل هذه الأسرة، ومنذ دخلت حياتنا هدمت كل شيء، أريد بناتي.. أريد بناتي الآن» وقفت سارة، جُنّت من طريقته اللئيمة في إغضابها، لكنها لا تريد التصعيد معه، كما قالت لها الدكتورة شيخة، فضبطت نفسها وجلست مرة أخرى وهي تقول: «الله يسامحك، ولكن كيف ستأخذ الطفلتين وأنت ما زلت في الحجر الصحي؟» صرخ سوزيان: «ما علاقتك أنت؟

لماذا تتدخلين في حياتنا، هيئة الصحة سمحوا لي بالمغادرة، وقالوا إنني شفيت تماماً وإنني لا أحمل أي فيروس، لا تتدخلي، أحضري الطفلتين فوراً، وإلا فسأقوم بالإبلاغ عنك وفتح شكوى ضدك..» أغلقت سارة الهاتف وهي ترتجف، كان صراخ سوزيان متهدجاً»، اتصلت بشيخة فوراً، أبلغتها ما جرى، قالت شيخة إن هذا الرجل مريض نفسياً، ولكن مع ذلك، فله حق، بإمكانه فتح بلاغ، خاصة أن التسوية الأولى، بأخذ الطفلتين، لم تكن رسمية، كانت ودية، وكذلك فاستمرار وجود مُنى في العناية المركزة يعني حقه القانوني في طفلتيه، قالت: «دعيني أستشر زوجي سالم وأَعُد لك».

جاءت تاليا، النحيفة البيضاء الرقيقة، ذات العشرة أعوام، التي تشبه والدتها، وهي ترتدي ملابس المدرسة، قميصاً أبيض، وفستاناً رمادياً لغاية ركبتها، فألقت تحية الصباح وقالت إن نتالي قد أبلغتها بأنهن ذاهبات إلى المستشفى لزيارة أمها بعد المدرسة، خفق قلب سارة لهذه الفتاة المهذبة الأنيقة، اقتربت منها، فكّرت أن تحتضنها، لجمالها ورقتها ومدى شبهها بأمها، تمنّت في أعماقها لو أنجبت مثلها، لكنها بقيت بعيدة عنها بمقدار مترين، ومع أنها كانت متأكدة من خلوها من الفيروس، ومع ذلك فلم يكن الاحتضان قد حصل على فتوى صحية بعد، تحرمه أو تُجيزه، لمن لم تثبت إصابته، قالت سارة:

«عليك تناول الإفطار أولاً، وسأوصلكما إلى المدرسة وسأحاول ترتيب موعد لزيارة أمك، بعد ذلك»، جلست تاليا وحضرت نتالي ونظرت نحو طبق الكعك المُحلى بالتفاح مع شراب اللوز الذي وضعته آني أمامهما، لم يعجب نتالي، ورمقت آني بنظرة هازئة ممتعضة، كانت تحب البيض المخفوق وشرائح الجبن المشوية، لكنها وعلى قدر جوعها التهمت كعكتها في لقمتين. وبقيت عيناها معلقة على كعكة تاليا.

وخلال ذلك، صعدت سارة لترتدي ملابسها، ثم نزلت وقدمت لهما قفازات وكمامات لارتدائها، وارتدت كمامتها وقفازاتها، حسب ما نصح الطبيب مروان، وأوصتهما بعدم خلعهما في المدرسة، وخرجن جميعاً، بسيارة سارة الفيروزية نحو المدرسة، وبعد أن تأكدت من دخولهما، عادت إلى سيارتها فوجدت سوزيان يقف هناك وهو يدخن سيجارة وتتحرك ساقاه بغضب فيضرب قدميه في الأرض، اقتربت من السيارة.

وفتحت الباب بالريموت، وقبل أن تصعد وقف بينها وبين الباب وقال وهو يؤشر بإصبعه ويصرخ في وجهها: «اسمعي، تعبت منك كثيراً، وأستطيع إصدار أمر بأخذ نتالي وتاليا، رغماً عنك، أستطيع الآن الدخول إلى المدرسة وأخذ الطفلتين، ليس هناك قوة في الأرض تمنعني، من أنت حتى تمنعي عني ابنتيّ»؟

عادت سارة خطوتين للوراء وهو يصرخ في وجهها، لم يكن يرتدي كمامة، وكان الرذاذ يتطاير من فمه، كانت تود الحديث مع شيخة أولاً، ضبطت نفسها مرة أخرى، قالت: «أرجوك سوزيان، لا تجعل الموضوع كبيراً، اليوم سنزور مُنى وآمل أن تستيقظ، وهي التي تقرر، إنهما أمانة في عنقي، وإذا لم تصحُ اليوم، أمهلني حتى العاشر من فبراير، ستحضر أم مُنى من فرنسا، وحينها سأودعها الأمانة، وبإمكانكم الاتفاق بسهولة بينكم».

تراجعت وسوزيان يقترب منها وقد زاد غضبه وتشنجه، قال: «نعم؟!! تُريدين مني أن أنتظر أمها بشرى بعد أسبوعين؟ هل أنت مجنونة؟ أنت تعلمين أن بشرى تكرهني، وقد تموت مُنى في أي لحظة، لن يحدث ذلك، أريد السفر مع ابنتيّ إلى أهلي في إيطاليا، من أنت حتى تمنعيني، سأحضر الشرطة الآن»!

شعرت سارة بخوف مضاعف، اهتزّت على كلمة (السفر) مع ابنتي إلى إيطاليا واهتزّت أكثر على كلمة (موت) مُنى، لكنها تمالكت نفسها وفكّرت بسرعة، قامت بعملية مسح فورية لشخصية سوزيان الانتهازي المُبتزّ وخطرت على بالها فكرة، تشجعت وقالت: «كم تريد مقابل أُسبوعين»؟، نفض رأسه وهو يتنهد ويتراجع، نظر إلى الأرض وهو يُمثل أنه غير قابل للمساومة، لكنه تذكر ديونه ومشاكله، فرفع رأسه وهو يقول: «10 آلاف دولار، وفي حال لم تأتِ بشرى أو توفيت مُنى تكتبين تعهداً عند الشرطة بتسفيرهما إلى عنواني في إيطاليا على نفقتك».

لم يكن مبلغ الـ 10 آلاف دولار كبيراً على سارة، كان مركز الدراسات الاستراتيجية، الذي تعاقد مع مؤسسات دولية وقنوات إخبارية، وتطور ليضم نخبة الباحثين والمترجمين، يكتبون بست لغات، يدر لها دخلاً جيداً، ومع راتبها من الوكالة، استطاعت توفير أكثر من مليون درهم في حسابها البنكي، لكنها تعرف أن موافقتها الفورية ستجعل سوزيان يطلب أكثر، فقالت: «لا أملك هذا المبلغ، يمكنني تأمين 5 آلاف دولار فقط، ماذا قلت»؟،

فهم أنها تفاوضه، وراح يفكر أن مُنى ستدفع لها لاحقاً، بعد استيقاظها، فرفع رأسه ويده في لحظة وقال: «كلام نهائي.. 7 آلاف دولار، وإذا رفضت أو جادلت سأدخل الآن وآخذ الطفلتين ولن ترينهما للأبد»! فكّرت للحظة، صمتت، ثم هزّت رأسها موافقة، فسأل على الفور: «هل بإمكانك الآن دفع المبلغ وكتابة التعهد»؟ فقالت سأذهب إلى البنك وأحاول تأمين المبلغ ونلتقي في مركز شرطة البرشاء بعد ساعتين، سيكون التعهد مشتركاً بيني وبينك، حيث تتعهد أيضاً بعدم الاقتراب أو الاتصال أو محاولة أخذ الطفلتين، ومنحي الحق الكامل برعايتها لحين خروج منى من المستشفى، فضحك وهو يشعر بالنصر وقال وهو يغادر: «أوكيه».

لم توافق الشرطة أن يتم هذا التعهد غير القانوني بين سارة وسوزيان في المركز، لكن شيخة طلبت من زوجها سالم هاتفياً كتابة صيغة تعهد شخصي يمكن أن يكون مُجدياً بشكل أو بآخر، وإرساله عبر الواتس أب، وفعلاً قبض سوزيان المبلغ وعادت سارة لأخذ الطفلتين من المدرسة إلى المستشفى.

رفض الطبيب دخول سارة والفتاتين إلى غرفة العناية المركزة، وقال لسارة إن وضع مُنى في حالة حرجة جداً، فلم تعرف كيف تنقل الخبر لنتالي وتاليا، فرجته أن يسمح لهما برؤيتها من بعيد، فوافق بشرط ارتداء قفازات وكمامات جديدة حديثة ولمدة دقيقة واحدة، فقالت لهما إن أمهما في حالة تحسن.

ولكنها نائمة الآن، وبإمكانهما السلام عليها من بعيد، نتالي لم يعجبها، لكن الطبيب والممرضات، الذين يلبسون الغطاء الطبي المقنع، تحدثوا معها بشكل علمي، وقالوا لها إن أي خطأ سيتسبب بمشكلة لوالدتها، فوافقت وهي غير مقتنعة، وبالكاد تم سحبها من الغرفة التي يفصلها عن غرفة العناية المركزة حاجز زجاجي، وحين خرجوا، قالت نتالي: «أريد رؤية أبي..»!!

تنهدت سارة وهي تتعامل مع سوزيان الصغير، قالت سارة لنتالي، وهي تعلم أنها لن تفعل: «سأتصل بوالدك لاحقاً، قد يحضر مساء إلى البيت» قالت نتالي غاضبة، وهي تهزّ رأسها: «سأتصل عليه أنا الآن»، واستخرجت رقم هاتف والدها من جوالها، وراحت تتصل بينما تاليا تراقب أختها العنيدة، التي لم تقدّر الأوضاع، ولكن سوزيان لم يُجب، كان منشغلاً بالمحاولة لإجراء حجز السفر، والهرب من ديونه الكثيرة قبل الإمساك به، وحين رأى رقم ابنته في المكالمات الفائتة، تذكر التعهد، فلم يتجرأ على الاتصال..!

لمتابعة الحلقات السابقة اقرأ:

Email