رواية «الجائحة» - الحلقة الرابعة («حجر مؤقت» – الثلاثاء 14 يناير 2020)

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت شيخة إلى غرفة فحص، وسارة إلى غرفة أخرى، جاء الطبيب فادي يرتدي زياً، يشبه زي الفريق الطبي المُقنع، سلّم عليها من بعيد باسمها: «أهلاً أهلاً أستاذة سارة، سمعنا أنك صحافية عالمية، هل هذا صحيح؟»، قالت: «نعم، ولكن ماذا يحدث؟ ولماذا كل هذه الكمامات والأقنعة والقفازات؟».

قال الطبيب فادي: «نعتقد أن العدوى من الإنفلونزا هذا الموسم شديدة الانتشار، ونحاول فقط حماية الناس ومعالجتهم، ليس هناك شيء غريب»، وطلب من الممرضة التي ترتدي مثله أن تفحصها، فقامت بإجراء فحص الحرارة والوزن والضغط أولاً، ثم أخذت مسحة من بلعومها، وأخرى من أنفها ضايقتها، نظرت سارة في عينيّ الطبيب تتفحصه بمسح عينيه، فوجدته هادئاً وادعاً، فراح يسألها والفريق الطبي المقنع يُسجّل المعلومات:

-    حرارتك الآن 36.8 درجة، هل كانت لديك حُمى شديدة أمس أو أول من أمس؟

سارة: نعم كان لديّ حمى شديدة، صباح أمس، وذهبت إلى الطبيب وكتب لي علاجاً؟

-    هل الطبيب في هذا المستشفى؟

سارة: لا إنه في مستشفى لوزميرلو!

أشار الطبيب فادي إلى أحد أعضاء الفريق المقنع برأسه فغادر، نظرت إليه سارة متسائلة قاطع الطبيب نظراتها وعاد يسأل:

-    هل لديك سعال جاف أو ضيق نفس؟

سارة: سعال نعم، ضيق نفس لا، مجرد احتقان في الأنف.

-    هل سبق وعانيت من أي التهاب رئوي في أي مرحلة من حياتك؟

سارة: لا.

-    هل لديك أية أمراض من أي نوع: الفشل الكلوي أو السرطان أو السكري أو أي أمراض أخرى، حتى لو كانت بسيطة؟

سارة: أبداً، الحمد لله.

-    هل تستطيعين تحديد كل شخص قابلته منذ أسبوع؟ خاصة من كان منهم مُصاباً بالإنفلونزا؟

سارة: لا أخرج كثيراً، أعمل من بيتي في معظم الأحوال، تردني المعلومات واللقاءات والصور عبر البريد الإلكتروني، لكن قبل ثلاثة أيام، زرت صديقتي مُنى، وهي بالمناسبة هنا في المستشفى، إثر خلاف حاد بينها وبين زوجها سوزيان، وكانت تسعل وكان زوجها يسعل، ويعطس بشدة أيضاً؟

-    هل لديك أية معلومات حول سفر وتنقل مُنى أو سوزيان؟

سارة: مُنى لم تسافر منذ العام الماضي، أما سوزيان فقد كان في الصين، وعاد قبل ثلاثة أيام فقط، وقد كان ذلك سبب المشكلة بينهما، حيث إنه طلب من مُنى المال، لأنه عاد من السفر مفلساً، وحين رفضت صفعها أمام ابنتيها، فتدخلت لحل المشكلة، لأن مُنى لم ترغب بتقديم شكوى رسمية.

نظر الطبيب فادي إلى الفريق المقنعين، فأشار له قائد المجموعة برأسه أن يكمل، فنظر نحو سارة وسأل:

-    هل تعرفين اسم المنطقة التي جاء منها سوزيان من الصين؟

سارة: لا، ثم أسندت ظهرها وهي تسأل: «ماذا يحدث يا دكتور، لأول مرة في حياتي أشهد مثل هذا الموقف، هل هناك شيء خطير؟» فنظر الطبيب إلى الفريق الطبي المقنع، وقال بهدوء: «أبداً، كما ذكرت لك، مجرد إجراء احترازي أن يكون الفيروس أشدّ عداء من باقي فيروسات الإنفلونزا، ونخشى انتشاره بسرعة».

فعادت لتسأل: «هل تعرف وضع صديقتي مُنى؟»، فأجاب: «هي بخير، اطمئني».

خلال ذلك، وبعد فحص شيخة، التي أبدت تفهماً كبيراً للإجراءات، حضر الطبيب مروان ماجد، مُشرف من هيئة الصحة، وقدم شكره للدكتورة شيخة، الطبيبة النفسية المختصة في دائرة حقوق الإنسان في شرطة دبي، على سرعة تجاوبها بالعودة إلى المستشفى وإحضار سارة برفقتها، وذكر أن ذلك موضع تقدير هيئة ووزارة الصحة، وتقدير الجميع، فقالت له إن ذلك واجبها، وإنه لا شكر على واجب، فشرح لها أن الإمارات ومنذ ديسمبر 2019، تتابع عن كثب، ما يحدث في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي في الصين بظهور فيروس عدوى الجهاز التنفسي، التي تتراوح حدّتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة، وأن هذا الفيروس قد بدأ ينتشر إلى مقاطعات صينية في بداية يناير 2020 وأنه، أمس، فقط، 13 يناير، تم تسجيل أول حالة إصابة خارج الصين في تايلاند، وأنه يتمّ الآن تشكيل فرق طبية وفرق إدارة أزمة في حال تسجيل أية حالة في الإمارات، وشرح لها عن الأعراض عموماً.

وقال إنه يحتمل أن «مُنى الراقب» مصابة، مجرد احتمال، حيث لديها سجل طبي في الالتهاب الرئوي، ولكن ذلك غير مؤكد، فالفحص المبدئي قد لا يظهر ذلك، حسب منظمة الصحة العالمية.

سألت شيخة وهي تقف: متى تتوقع أن تظهر نتيجة الفحص؟ فقال مروان: «حالياً من يومين إلى ثلاثة أيام، إنه فحص أكثر دقة، ففي 10 يناير 2020 فقط تم تحديد نوع الفيروس، الذي تسبب في تفشي المرض بسرعة، ويجري الآن تحديد تسلسل الجينات وقد أعطي مبدئياً الاسم «بيتاكورونافي»، حيث يبدو ارتباطه بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) وفيروس متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، لا شك في أنك سمعت بهما، ولذلك وضعنا عينة مُنى للاختبارات في كل تلك السلالة وننتظر النتيجة، حيث إنها مصابة بالتهاب رئوي وحمى، كذلك أجرينا لها زراعة عينات وأشعة مقطعية، وننتظر النتيجة، أما أنت وغانم وسارة والخادمة آني، وكل من تعاملت معهم مُنى وسارة وسوزيان، فسنحاول تسريع الفحص، حيث لا يبدو أية أعراض حاليا، خاصة ارتفاع الحرارة، وفي حال الاشتباه بالإصابة، قد يترتب على نتيجة الفحص الحجر لمدة أسبوعين قابلة للتمديد».

هزّت شيخة رأسها، سألت عن الضابط غانم فقال لها إنه قد تم فحصه وأُعطي إجازة، واختار الذهاب إلى فندق تم تخصيصه للحجر الأولي، لحين ظهور نتيجة الفحص، مع التأكيد القاطع على عدم الاختلاط مع أي شخص كان وخصوصاً أفراد الأسرة والزملاء في العمل، فسألت: وبالنسبة لي ولسارة؟ فأجاب المشرف مروان: «لك الخيار، إن كان بإمكانك العزل الكامل في بيتك فهذا خيارك، ويمكن أيضاً تخصيص غرفة عزل لمدة يومين أو ثلاثة في فندق خاص بالنساء، بالنسبة لسارة فقد طلبنا خادمتها للفحص، ويمكن أن تعود معها للبيت، إذا تعهدتا بالعزل الكامل، ما رأيك؟».

لم تكن شيخة تشعر بأي من الأعراض على الإطلاق سواء الحمى أو الإرهاق أو السعال، لم تكن خائفة، لكن دراستها الطب النفسي وممارستها كونها أخصائية جعلها دائماً تحاول أن تفهم كل شيء مبكراً، فسألت الطبيب مروان: «حالياً ليس لديّ أي من الأعراض، ولكن هل يُحتمل أن الأعراض لا تظهر الآن؟».

فأجاب: «ممكن وكذلك يمكن أن تصابي من سارة أو أي شخص في أي لحظة، لذلك عليك أن يكون خيارك في العزل الكامل، رجاء».

وافقت شيخة الذهاب إلى فندق «دبي لاند أويسيس»، المخصص لهيئة الصحة، وأجرت اتصالاً مع زوجها خليفة القاضي بمحكمة دبي، وأبلغته بما جرى، واستأذنته بالذهاب إلى غرفة العزل في الفندق، فأذن لها وقال لها إن عليها أن لا تقلق أبداً.

كان المشرف مروان قد ابتعد قليلاً يُحادث رئيس الفريق الطبي المقنع، وعاد فور انتهاء المكالمة، فهزّت رأسها وهي تشكره على الحرص وعلى العناية الفائقة وعلى المعلومات التي قدمها، طلبت رؤية سارة عن بعد، فتقدمها، وهو يذكر أنه لا مانع من ذلك، تحركوا نحو غرفة فحص سارة، كانت ما زالت تجلس على السرير، فوقفت شيخة على الباب، وقفزت سارة تحاول الاقتراب منها، لكن الطبيب فادي مدّ يده أمامها فتوقفت، قالت وهي تنظر إليه ثم إلى شيخة: «ماذا يحدث يا شيخة؟»، قالت شيخة: «اصبري، لقد أرسلوا لإحضار خادمتك آني، وكل من تعاملت معهم، أنا وغانم وافقنا على حجر في فندق، هل تودي الذهاب إلى بيتك بشرط عدم الاختلاط إطلاقاً مع أي شخص لحين ظهور نتائج الفحص؟».

مع أن سارة شاركت في تغطية عدد من الكوارث والحروب سابقاً، إلا أن صدمتها المضاعفة، بسبب مرضها، وبسبب قلقها على صديقتها مُنى وابنتيها نتالي وتاليا، وبسبب عدم فهمها لما يجري، جعلها ترفع يديها متسائلة وتقول: «لا أدري، حقاً لا أدري، لكن اسمحوا لي على الأقل بالاطمئنان على صديقتي مُنى»، فقال المشرف مروان: «صديقتك بأيد أمينة، وعلى أحدث وأفضل أجهزة متوفرة، لا داعي للقلق، الموضوع بسيط، كل ما تحتاجين إليه هو مسألتان، الراحة، وعدم الاختلاط، الأمور طيبة».

لمتابعة الحلقات السابقة اقرأ:

ـــ  «البيان» تنشر رواية «الجائحة» في حلقات قبل صدورها مطبوعة

ـــ  رواية "الجائحة" - الحلقة الأولى (الحمى - الاثنين 13 يناير 2020)

ـــ  رواية "الجائحة" - الحلقة الثانية («اختطاف» - الثلاثاء 14 يناير 2020)

رواية «الجائحة» - الحلقة الثالثة (اشتباه العدوى - الثلاثاء 14 يناير 2020)

Email