رواية «الجائحة» – الحلقة السادسة (فيروس جيني.. يهدد العالم من جديد - الخميس 13 يناير 2050)

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدّلت سارة ملابسها النباتية، فقد تمكن العلماء من تهجين نبات «فيلودندرون»، مع «شجرة الغاف»، ووصلها مع طابعة سداسية الأبعاد، لإنتاج ملابس نباتية طبيعية، حسب طلب الشخص وتصميمه، والألوان التي يريدها، بالطبع سارة تعشق اللون الفيروزي، منذ كانت طفلة صغيرة، وهو لون أزرق مُهجن بين الجنزاري والتركواز، فكان بيتها وأثاثها وملابسها وكل حياتها فيروزية، تدفقت الذكريات المؤلمة مرة أخرى، تذكّرت صديقها وزوجها عمر، والأسطورة فيروز وهي تدندن: «كيفك إنتا.. ملا إنتا»، فراحت إيفا تُغنيها بصوت نشاز، فقالت لها سارة، مع إشارة اعتراض من يدها ورأسها: «صوتك نشاز»، فشعرت إيفا بالحياء وسكتت.

إيفا لا تشبه سارة، إيفا هي حاسوب متقدم جداً، تم تصميمه كأحدث روبوت هولوغرامي تقني، يستطيع الاتصال والوصول إلى أي مكان في الكون، كقمر صناعي، تختزن إيفا معلومات التاريخ كاملة، منذ ولد الإنسان، استطاع التصميم الأول لهذا الروبوت الهولوغرامي التقني، في أول يوم عمل له، حلّ كافة مسائل علوم الفيزياء والرياضيات، والتحليل والتوافق والنظم الديناميكية، والرسم البياني والهندسة الإقليدية، غير المحلولة عبر التاريخ، والتي أعجزت العلماء لقرون طويلة، فاستحق العلماء: إليزابيث نانس، ماكس تيجمارك، جنيفر دودنا وبهيجة جلال «جائزة دبي تك سيتي لعلوم المستقبل»، التي كانت تُمنح سنوياً لأهم اختراع علمي، يؤسس لمستقبل البشرية، ابتداء من عام 2028، حيث اختصت نانس بتطوير جزيئات نانوية، يمكنها اختراق حاجز الدم والدماغ الصعب، واختص العلماء الثلاثة الآخرون في فهم كيفية تحرير الجينات في تغيير صناعة التكنولوجيا الحيوية بشكل كبير، فاجتمعوا في «دبي تك سيتي»، وأنتجوا هذا الروبوت، وبعد ذلك بسنوات قليلة، أصبح الإنسان قادراً على تطوير روبوته الخاص الهولوغرامي بنفسه، بإضافة مسحات شخصية وصفات جينية للروبوت، فأصبحت إيفا، وحسب طلبات سارة، تشبه إلى حدٍ كبير شقيقتها نوال، التي توفيت في نيويورك، نهاية مايو 2020، بسبب فيروس «كورونا»، حين تجاهلت دول في الغرب، ذلك الفيروس، خلال الأشهر الأولى من تفشيه، وقللوا من جنونه وهوسه، فنشب براثنه في حلقهم، وراح يفتك بهم، فكشف عن عجز تقدمهم العلمي والطبي، ووقفوا أمامه عاجزين متخبطين، ورفضت شقيتها نوال، نداءات الاستجداء التي راحت سارة تطلقها، للعودة والعلاج في الإمارات، التي تمكنت من محاصرة المرض، في زمن قياسي.

وقفت سارة أمام مرآة غرفة نومها، تحسست بشرتها، رأت بعض التجاعيد الصغيرة حول عينيها العسليتين الصغيرتين، رفعت شعرها الكستنائي بيدها اليسرى، وهي تقترب من المرآة، تعرف إيفا أن هذه اللحظة بالنسبة لسارة، ولكل نساء العالم، مقدسة، لا بد أن تكون طبيعية مئة في المئة، فقد حاولت التفلسف في مرات سابقة، بإعطاء معلومات دقيقة حول صحة وبشرة وتجاعيد سارة، باعتبارها تشبه شقيقتها الكبرى، ولكن، في آخر مرة، طلبت منها سارة عدم التدخل إطلاقاً في هذه المسألة، إلا إذا طُلب منها ذلك، وقفت خلفها إيفا تفكر بالتدخل، كانت فضولية جداً مثل نوال، عرفت سارة، فأوعزت لها تخاطرياً أن تصمت، فكّرت بقطتها لوسي، تساءلت لماذا لم تأتِ لتحيتها، والتمحك بها، ظهرت إيفا وهي تقول: «إنها عالقة في المطبخ، حين غادرت صباحاً أغلق الباب تخاطرياً، فأكلت ونامت، وكما تعلمين لست مؤهلة لفتح الأبواب أوتوماتيكياً بدون إذن منك..!».

أعطت سارة لإيفا الإذن لفتح باب المطبخ، وعادت تقترب من المرآة، وهي تتلمس عنقها ورقبتها، قالت لإيفا: «ذكريني لاحقاً بعمل تعديلات في نظامك، يسمح لك بإصدار القرارات الفورية التي قد يُشكّل عدم اتخاذها خطراً على أحد أو شيء». هزّت إيفا رأسها موافقة، ثم سألت مازحة بسرعة: «متى ستقومين بتعديل نظامي للسماح بإصدار القرارات؟»، ضحكت سارة وهي تراقب إيفا، فهذه النكتة قالها عمر في عام 2020، وخزّنتها سارة في ألبوم ذكرياتها التقني لدى إيفا، حين قالت له: «ذكرني اليوم أن أشتري لك هدية بمناسبة عيد ميلادك»، فسألها فوراً: «متى ستشترين لي هدية؟»، بالطبع، فكّرت في عمر مرة أخرى، أين هو يا ترى؟ لم تتلقَ إجابة اتصال تخاطري، ما يعني أنه غير متوفر(!) سألت إيفا: أين عمر؟ فارتبكت إيفا، كما يحدث دائماً كلما ذكرت سارة عمر، راحت تخترع بيانات أن آخر ظهور له كان في الصباح، في باريس، مجتمعاً مع رئيس المعهد العربي هناك، يناقشان فلسفياً دور المفكرين والأدباء في الثورة التقنية العاشرة.

فجأة، بدأت موسيقى نباتات شقة سارة تتصاعد تدريجياً، فشعرت بالرهبة، فجميع نباتاتها السبعة (الأشرعة البيضاء، البامبو، فيكس بنجامينا، الألوفيرا، الأوركيد، الخزامى واللافندر)، معدلة وراثياً لإزالة السموم وتنقية الجو، ولكنها أيضاً معدلة لتعمل سوياً كجهاز إنذار موسيقي في حال وجود عفن أو مركبات طيارة أو فيروسات، وقفت حين خطر ببالها كلمة فيروسات، ظهرت إيفا مع شاشة البيانات مكتوب عليها، 13 يناير، تعالت موسيقى النبات، خرجت نحو الشرفة، نظرت للبحر الصناعي العائم المصنوع من كرات أوكسجين ونيتروجين مضغوطة، في «دبي تك»، كان حزيناً..!

«غريب، كيف نسيت التاريخ؟ وشيخة نسيت ذلك اليوم، منذ سنوات طويلة لم نتحادث عن 13 يناير..»، قالت لنفسها، ثم نظرت إلى أوركسترا صديقاتها النباتات، والتي أصبح صوت الموسيقى في حناجرها مرتجفاً، قالت سارة لإيفا: «ماذا يحدث؟»، أجابت إيفا مرتبكة: «هناك خلل فعلاً، ماذا نفعل؟»، فتوترت سارة وهي تقول: «أنت تسألينني؟ يُفترض أنك تعرفين، لقد تم تصميمك لتقولي لي وليس لتسأليني!»، أعادت سارة تشغيل النظام بأقل من ثانيتين، وسألت إيفا: «ماذا يحدث في العالم؟»، فأظهرت إيفا شاشة عليها مجموعة من الأخبار الرياضية والسياسية المختلفة، ليس من بينها أي مشكلة صحية أو تقنية، خطر على بال سارة أن تستكشف لدى منظمة الصحة العالمية، فأظهرت إيفا شاشة أخرى، تتضمن آخر بيانات المنظمة، ولم يظهر أي مستجدات غريبة، فخطر ببالها البحث عن أي خلل في أيّ نظام في العالم، فحددت لها إيفا خمسة مراكز قرصنة، في خمس قارات، أربعة منهم يتراشقون بحزم بيانات هجينة، وتبدو الحرب بينهم قد اشتعلت قبل ثلاثين ثانية فقط.

حاولت سارة أن تقرأ شيئاً من البيانات المتدفقة، فلم تفهم، سألت: ما هذه البيانات؟ قالت إيفا: «مجموعة ستندلر الروسية الغاضبة، تقذف عبر طبقة التروبوسفير، حزم شيفرات كهرومغناطيسية شديدة، على مجموعة تادو الأوروبية، ونيست الأمريكية، وسيبرهاك العربية في تونس، وكل نظام عبر هذه الشبكة الحمراء، يتأثر بقوة في أي تقنية أو برتوكول رقمي أو جيني»، سألت سارة: لماذا تأثرت نباتات المنزل بهذه الحزم؟ قالت إيفا، وهي تظهر موقع سقوط بعض حزم هجوم ستندلر على منطقة الخليج: «نعم، هنا تم تحديد فيروس، لحظة، لحظة رجاء، إنه فيروس جيني تقني مركب، لولبي له عشرة وجوه».

شعرت سارة بالقلق الشديد، فمن المعروف أن الهاكرز، وبعد سنوات طويلة من مكافحتهم بقوة، قد وقّعوا على ميثاق دولي، بتحويل جميع تقنياتهم إلى ما يخدم البشرية والتقدم العلمي، وقد تضمن ذلك الميثاق، عدم استخدام أي تركيبة جينية، لضمان عدم تطور أي فيروس ليصبح مميتاً للكائنات الحية.

قالت إيفا: «هذه صحيح، ولكن هذا الفيروس قد تطور تلقائياً خلال رحلته الصاروخية بالاحتكاك الشديد في النيتروجين، انظري كيف يتكاثر في الهواء»، وعرضت إيفا لسارة عشرات المواقع التي راح ينتشر فيها الفيروس.

طلبت سارة تقريب الصورة، وحددت 118 فيروساً قد تناثرت على عدة دول، في فنلندا والعراق والخليج العربي ومصر وفرنسا وبريطانيا والمكسيك والولايات المتحدة، سألت: «من يعلم عن ذلك؟» قالت إيفا: «لا أحد بعد»، فطلبت صوراً لكل موقع، وطلبت إرسالها مع تقرير فوري لمنظمة الصحة العالمية، ونشرت خبراً على موقعها يقول: «الهاكرز يعودون: فيروس جيني تقني يهدد العالم من جديد..!».

لمتابعة الحلقات السابقة اقرأ:

رواية «الجائحة» – الحلقة الخامسة ( الاقتران التخاطري - الخميس 13 يناير 2050)

رواية «الجائحة» - الحلقة الرابعة («حجر مؤقت» – الثلاثاء 14 يناير 2020)

رواية «الجائحة» - الحلقة الثالثة (اشتباه العدوى - الثلاثاء 14 يناير 2020)

رواية "الجائحة" - الحلقة الثانية («اختطاف» - الثلاثاء 14 يناير 2020)

رواية "الجائحة" - الحلقة الأولى (الحمى - الاثنين 13 يناير 2020)

Email