سلام الشجعان.. خطوة تاريخية ضد التطرّف والكراهية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر الأسباب التي أدت للنكبات والنكسات التي لحقت بالقضية الفلسطينية، منذ انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وقيام دولة إسرائيل، هو اختطاف الوعي الفلسطيني والعربي وتقديم معلومات ومواقف زائفة وكاذبة لمصلحة المتشددين والمتطرفين على جانبي الصراع. وشهدت السنوات التي تلت توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 وجود فريقين في الدول العربية والإسلامية، الأول يريد حل الأزمة ومساعدة الشعب الفلسطيني، من خلال خطاب سياسي وإعلامي صريح قائم على دعم القضية الفلسطينية مع تقديم نصيحة تتفق مع مفردات الصراع وموازين القوى.

أما الفريق الثاني فيرى في معاناة الفلسطينيين مادة للتجارة وتعظيم الأرباح وبناء مجد شعبوي زائف، وهؤلاء يتبنون خطاباً يدغدغ المشاعر هدفه تغييب الوعي لتحقيق مكاسب سياسية على حساب القضية الفلسطينية.

منهج الانفتاح

الانفتاح على الآخر، وتبني سياسات مثمرة وبناءة، كان دائماً شعار ومنهج الإمارات منذ تأسيسها، وهو يقوم على تفهّم مصالح الآخرين وإيجاد مساحة تتلاقى فيها المصالح المشتركة. وكان يكفي الإمارات أن تقول إنها عقدت معاهدة سلام مع إسرائيل وفق بنود معاهدة فينا 1956 والتي تعد إقامة علاقات دبلوماسية حقاً سيادياً لكل دولة، وكان يمكن للعلاقات الإماراتية الإسرائيلية أن تبدأ وتستمر في السر كما كثير من الدول العربية، ولكن قيادة الإمارات تؤمن بالشفافية والوضوح، وتتمسك بخطاب علني وواضح يساعد على المدى الاستراتيجي في تحقيق أهداف الفلسطينيين، ولذلك جاءت بنود معاهدة السلام علانية وفي النور، ومن دون أية متاجرة أو خداع للشارع العربي الذي يثق بأن خطوة الإمارات الشجاعة ستساعد الفلسطينيين على الخروج من الانسداد التاريخي للصراع وتوقفه عند نقطة تتراكم فيه الخسائر يومياً.

أفعال وأقوال

العنوان الرئيس للسياسة الإماراتية في جميع الملفات وليس فقط ملف القضية الفلسطينية هو الواقعية المثمرة بدلاً من التحريض المعطّل لأي مبادرة حيوية. كما أنها عندما تقدم شيئاً للشعب الفلسطيني أو أي شعب آخر لا تلوم أو تشكو أو تحاول أن تلطخ صور الآخرين الذين لا يريدون أو لا يستطيعون أن يفعلوا مثلها، خلافاً لما نراه في سياسات دولاً أخرى مثل تركيا وقطر والإعلام التابع لهما، فمن يسمع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمسؤولين الأتراك يصاب بصدمة، إذ إن تركيا هي أول دولة ذات غالبية إسلامية اعترفت بإسرائيل، وكان ذلك في مارس 1949، أي أن العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب سبقت معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية بـ71 سنة.

وفي الوقت الذي يتأسس السلام بين الإمارات وإسرائيل على التوجه الإيجابي القائم على التعاون في مجالات الصحة والزراعة والتكنولوجيا والطاقة ومكافحة الأوبئة، وهي مجالات تستفيد منها البشرية جمعاء، نجد السياسة التركية تهاجم المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية على الرغم من أن تركيا هي ثاني دولة في العالم تحتضن المصانع العسكرية الإسرائيلية على أرضها، كما أن إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق للمنتجات التركية، إذ وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 6 مليارات دولار في 2019، علماً بأنه كان أكثر بقليل من مليار دولار فقط عندما تولى أردوغان الحكم، ووضعت تركيا إسرائيل هدفاً تجارياً بالوصول إلى 10 مليارات دولار قبل 2023.

وتهاجم قطر والتنظيم الدولي للإخوان معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية رغم علمهم علم اليقين بأن راعيتهم تركيا لها علاقات خاصة مع إسرائيل، وخاصة التصنيع العسكري المشترك وبرامج التدريب والصيانة والمناورات، وصولاً للتعاون الاستخباري والمعلوماتي والأمن السيبراني وإنتاج «درون»، كما أن اتصالات قطر نفسها مع إسرائيل لا تنقطع. لقد تعرضت القضية الفلسطينية للاستغلال من جانب القوى المحرضة على خطاب الكراهية، لتحقيق مكاسب سياسية. ففي الوقت الذي نجحت فيه معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية بوقف ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل كانت السفن التجارية التركية تحمل الحديد والأسمنت لبناء المستوطنات في الضفة الغربية.

دعم سخي

من يراجع تاريخ العلاقات الفلسطينية الإماراتية يتأكد من أن الإمارات ومنذ أيام الأب المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت وما تزال الداعم الأكبر للشعب الفلسطيني سياسياً واقتصادياً، وكل المتابعين للعلاقات الإماراتية الفلسطينية على ثقة كاملة بأن الإمارات كانت من أوائل الدول التي وفرت للسلطة الفلسطينية «شبكة أمان مالية» حتى تستطيع أن تتجذر وتبقى على الأرض الفلسطينية.

وصنّفت الإمارات على مدار العقود الماضية بأنها من أكثر الدول العربية تمويلاً «لصندوق القدس» الذي يدعم صمود سكان القدس على أرضهم وفي بيوتهم. وتؤكد أرقام جامعة الدول العربية أن دولة الإمارات هي الداعم الرئيس، إلى جانب المملكة العربية السعودية، لكل الأنشطة الاجتماعية والدينية التي تتم في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وهناك عشرات المشاريع التنموية التي تمولها الإمارات حتى اليوم في الأراضي الفلسطينية.

وفي ظل توقيع معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية هناك حرص إماراتي واضح وعلى أعلى المستويات على تأكيد أن القضية الفلسطينية ستبقى ذات أولوية، وستظل كذلك حتى حصول الفلسطينيين على جميع حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولة مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كل هذا الدعم الإماراتي كان بلا أجندة خفية. ما قدمته وتقدمه الإمارات للفلسطينيين كان بدافع مساعدة شعب أعزل يريد نيل حقوقه المشروعة، وتواصل هذا «السمو السياسي» الإماراتي في معاهدة السلام، فأحد الأهداف الرئيسية لها هو دعم حل الدولتين ووقف الإجراءات الأحادية التي أضرت بمساحة الأرض المخصصة لقيام الدولة الفلسطينية.

تحرير المنطقة من المتشددين

لا يختلف اثنان على أن المنطقة العربية والشرق أوسطية كانت مختطفة من جانب المتشددين في الجانبين العربي والإسرائيلي خلال السنوات الماضية، وجاءت معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية ضمن سياق تحرير المنطقة من هذا الارتهان والأسر، ففي أقل من شهر كسب قطار السلام مملكة البحرين، وهناك تقديرات أمريكية بأن هنالك دول عربية ودولة إسلامية أخرى في أفريقيا وآسيا سوف تلحق بركب السلام، وغالبية هؤلاء كانوا يخشون من ردة الفعل إذا بدأوا بعقد معاهدة سلام مع إسرائيل، ولكن النجاح الإماراتي في إدارة ملف معاهدة السلام، وقدرة القيادة الإماراتية على توظيف المعاهدة لتحقيق مكاسب للعرب والفلسطينيين يشكل «رافعة سياسية» و«منصة فعالة» لسياسات الانفتاح والتسامح في المنطقة والعالم.

اقرأ أيضاً:

سلام الشجعان.. آليات جديدة لحل الصراعات المزمِنة

المعاهدة زخم أكبر للمبادرة العربية

Email