قرار شجاع

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصف قرار جنوب أفريقيا بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بالشجاع، بينما وصفته الجهات المهيمنة بحجر الدومينو الذي قد يؤدي إلى تساقط كل الأحجار.

حكاية المحكمة الجنائية الدولية يمكن اختصارها في بضع كلمات، وعند الشرح يمكن أن يكتب فيها عشرات المجلدات، فهذه المحكمة وللأسف الشديد تدار سياسياً، والقضاء العادل لا يمكن أن يتحقق تحت ضغوط السياسة وعدم الحياد، وهذا بالتحديد ما تعانيه المحكمة الجنائية الدولية التي عوّل عليها العالم كثيراً، وأقصد هنا العالم المظلوم بدوله وشعوبه.

فقد كان يفترض فيها أن تكون مستقلة استقلالاً تاماً، من حيث اختيار قضاتها وادعائها العام، بعيداً عن كل التوازنات السياسية المترسخة على الساحة الدولية، وتتوافر لها الإمكانات الفنية والمادية لمطاردة المجرمين الذي يرتكبون الجرائم ضد البشرية، كل المجرمين، لا استثناء، ولا تدخل من الدول الكبرى، ودون رقابة من مجلس الأمن و"فيتو" الدول دائمة العضوية ومصالحها.

ولكن كل ذلك لم يحدث، فقد أفلت مئات من القتلة والمستبدين تحت أنظار العالم، ومازال الذين يرتكبون الجرائم ينعمون بالحماية من الحلفاء في مجلس الأمن، ولا يحالون إلى المحكمة رغم تسجيل جرائمهم وتوثيقها بالشهود والشواهد، ووصل الأمر إلى منح بعضهم جوائز دولية بدلاً من معاقبتهم.

لم تمنح المحكمة الجنائية الدولية صلاحياتها، سلبت منها كل الأدوات المساعدة، واكتفت بالنظر في ما يحال إليها من الدول الكبرى عندما تتفق، ولم يتفقوا إلا على بعض الدول الأفريقية، هكذا قالت جنوب أفريقيا منذ أن طلب منها اعتقال الرئيس السوداني خلال حضوره مؤتمراً أقيم على أرضها قبل عام واحد، فقط لأن أحدهم أراد ذلك، وقبلها لم تنظر المحكمة أو تصدر أحكاماً إلا في تسع حالات ثماني منها أفريقية، ما اعتبرته جنوب أفريقيا توجهاً عنصرياً، خاصة في هذه الفترة التي تكثر فيها مشاهد القتل والتدمير من الدول، فهناك مدنيون يذبحون تحت أنقاض بيوتهم، وهناك مستشفيات تقصف بالطائرات وعيون العالم مغمضة، وهناك تدخلات لدول في أحداث بدول أخرى، وهناك احتلال عنصري أو ديني أو مذهبي أو طائفي أو قومي، ولا تتم إحالة مرتكبي هذه الجرائم إلى المحكمة.

فهل يحتاج العالم إلى قرار شجاع كما فعلت جنوب أفريقيا؟

Email