التحسينات بين الأخلاق والتقنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد لا يشكل «الكافيين» أو الهواتف الذكية بالنسبة للعديد من الناس عاملين مؤثرين بما فيه الكفاية لتحسين البشرية، لكن في ما يتعلق بتغيير كيفية استخدامنا لأجسامنا وعقولنا فهما كذلك بالضبط، إذ يحسنان رفاهيتنا ويسهلان تحقيق الأهداف اليومية لحياتنا.

إلا أن المفهوم الأكثر تماهياً مع الرؤية المستقبلية القائلة بما بعد الإنسانية، بمعنى وجوب تمتع كل فرد بالحق لتحسين ذاته من خلال العلم والتكنولوجيا هو موضوع يتعرض للبحث والنقاش الجديين، حيث يبقى السؤال الأكبر المطروح: هل نملك الحق في إدخال تحسينات على أجسادنا بقدر ما تسمح به التكنولوجيا والمستحضرات الدوائية، أم أن ذلك سيكون منافياً للأخلاق؟

يجادل نقاد العقاقير الذكية التي ترفع معدل التركيز لدى الفرد بأنها تمنح المستخدمين هامشاً غير عادل من الفائدة، في حين يشير آخرون إلى أن الامتحانات الأكاديمية لم تكن يوماً ميداناً متكافئاً، إذ يستطيع البعض تأمين رفاهية الأساتذة الخصوصيين، في حين يضطر البعض للعمل بدوام كامل لتأمين أقساط التعليم العالي.

ينتمي السواد الأعظم من الناس اليوم إلى فئة المحسَّنين المستعدين لمقاومة العديد من الأمراض المعدية، حيث تشكل اللقاحات أحد أنواع التحسينات البشرية، فبعيداً عن «المناهضين للتلقيح» يسعد معظمنا بالمشاركة. ويستفيد المجتمع من التحرر من تلك الأمراض.

فماذا لو أخذنا تلك القفزة الصيدلانية خطوة أبعد، ماذا لو يصار إلى العمل بالإضافة للقاحات المضادة للحصبة وشلل الأطفال وأبو كعيب والحصبة الألمانية والسلّ إلى «تحديث» الجميع من خلال تناول العقاقير التي تدخل تغييرات على السلوك؟ يمكن لعقاقير كبح مستقبلات بيتا التقليص من العدائية، والمساعدة ربما على تهدئة حالة التوتر العرقي. أو ماذا لو وصف لنا جميعاً تناول هرمون الأوكسيتوسين المعروف بتعزيز العلاقات العائلية والاجتماعية لمجرد مساعدتنا على التواصل في ما بيننا على نحو أفضل.

هل يمكن للمجتمع أن يعمل بشكل أفضل باستخدام تلك التعديلات الكيميائية؟ وهل يمكن لهؤلاء الذين يختارون الابتعاد أن يصبحوا منبوذين لعدم المساعدة في بناء عالم أفضل، أي إذا لم يرغبوا في أن يتلقوا لقاحاً ضد السلوكيات المناهضة للمجتمع، لكن ماذا لو لم نتمكن من توفير التحديثات الكيميائية للجميع، إما بسبب الثمن وإما الندرة؟ هل يجب حرمان الجميع منها حينذاك؟ علماً بأن حاسة الشم المحسنة قد تنفع لمهنة في مجال العطور لكنها لن تكون كذلك في مطامر القمامة.

ويشير بعض علماء الأخلاق إلى الحاجة الماسّة لتحسين آلية صنع القرارات الأخلاقية لدى البشر، ولو عن طريق الطب الإحيائي، في طرح ردّت عليه ريبيكا رواش، الفيلسوفة في جامعة لندن، بإمكانية مصادقة الناس على قادة سياسيين أكثر تحسيناً على الصعيد الأخلاقي.

إن التصور الشعبي العام للتكنولوجيا الحديثة أمر يصعب البدء به، فقبل بضعة عقود كان ينظر كثيرون إلى بعض العلاجات مثل عمليات التلقيح الصناعي خارج الجسم على أنه أمر غير صائب أخلاقياً، إلا أن العملية تدخل اليوم ضمن الأمور الروتينية المقبولة اجتماعياً على نطاق واسع، فهل يمكن لنا أن نتقبل العلاج الجيني على خلايا في مراحلها الجنينية الأولى، مما قد يسفر عن تغييرات جينية متوارثة للأجيال المقبلة؟

نقف، في ظل تقدم التكنولوجيا بخطوات عنيدة، في مواجهة أسئلة عن مدى رغبتنا ورغبة الآخرين بالتحسين. أما في الإجابة عن تلك الأسئلة، فنحتاج ربما لأن ندرك مدى التطور الذي وصلنا إليه أصلاً.

«20/20»

لا بدّ لنا أولاً من أن نكون واضــــحين في ما يتعــلق بمعنى التصحيح -الطبي- والتحسين، فالنــــظارات الطبية أو العدسات اللاصقة، مثلاً قد يصنفها كثـــيرون في إطار التصحيح وإعادة البصر إلى المستويات الطبيعية، لكن على الرغم من مساعي كل شخص للحصول على بصر ممتاز "20/‏20"، والاستثمار في القطاع التكنولوجي لتحقيق الهدف، فإن البصر الحاد على هذا النحو أبعد ما يكون عن الطبيعي ويعتبر في غالب الحالات تحسيناً أكثر منه تصحيحاً.

يعتبر الريتالين أحد العقاقير المحفزة للجهاز العصبي المركزي ويستخدمه الأشخاص العاجزون عن الحفاظ على معدل طبيعي من التركيز. وعادة ما يتم وصــــفه للمصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، إلا أنه يستعمل اليوم على نحو واسع النطاق بوصفه «العقار الذكي» وذلك لتحسين مستوى التركيز لدى غير المصابين بالاضطراب وقد خضع هذا العقار لكثير من الجدل بوصفه صيغة للتحسين عادة ما يستخدمها طلاب يصارعون للإنجاز قبل المواعيد النهائية.

لا ينبغي للإنسان أن يلعب دور الخالق قبل أن يتعلم أن يكون إنساناً، ومتى تعلم كيف يكون إنساناً فلن يلعب دور الخالق.

تضخيم الفروقات

يجد كثيرون في التحسين الذهني فكرة مقلقة بذاتها، لكن ماذا لو أشارت ريبيكا رواش، الفيلسوفة في جامعة لندن إلى أنها «قد تكون الطريق الأسرع للعثور على علاج للسرطان؟» وقد ينفع الجميع. فهل يعتبر من غير الأخلاقي ألا نسعى إلى تحديث البشر في سبيل تحسين المجتمع؟ ومن وماذا علينا أن نطور ونحدث؟

وأشارت سارة تشان من جامعة إدنبرغ إلى أن التحسينات لا بدّ أن تطال مساعدة الأسوأ حالاً في المجتمع. وأكدت فلورنس أوكوي من متحف التاريخ الطبيعي أن عكس ذلك قد يضخّم الفروقات الاجتماعية القائمة أصلاً.

  بول رامسي - عالم أخلاق أميركي

كلما تعلمنا أكثر عمن نكون، أتيحت لنا خيارات أكثر لنتبين ما نريد أن نصبح عليه.

 دانييل دينيت - فيلسوف أميركي

يمكننا النظر إلى تحرير فكرنا من القيود الصارمة للشكل البيولوجي على أنه مشروع روحاني في النهاية.

راي كورزويل - مخترع وعالم أميركي

 

 


 

Email