غياب الملكية الفكرية والقرصنة والتوزيع أبرز عقباتها

صنـــاعـــة النشـــر العــربيـة مــهددة بالإفلاس

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حالة عصيبة تشهدها صناعة النشر العربية، تكاد أن تضعها على حافة التدهور، التي بدأت آثارها مع انطلاقة ما يسمى «الربيع العربي»، والذي خلف أوضاعاً سياسية غير مستقرة، أثرت سلباً على عجلة الاقتصاد ومستويات دخل الفرد العربي، الذي اضطر إلى الابتعاد كلياً عن الكتاب.

ما تشهده المنطقة العربية حالياً من أوضاع باتت تهدد هذه الصناعة بالإفلاس، في وقت تشهد فيه ازدهاراً واضحاً في أوروبا وأميركا، لدرجة تفوقت فيها على صناعة الأفلام والترفيه، وذلك وفقاً لآخر الإحصاءات التي أصدرها اتحاد الناشرين الدوليين.

ورغم حالة التشاؤم التي تعتلي ملامح أصحاب دور النشر العربية، وتخوفهم من ضبابية مستقبل هذه الصناعة، إلا أن بعض المؤسسات العربية لا تزال تؤكد إمكانيات إحداث نقلة نوعية في هذه الصناعة، من خلال مجموعة من المبادرات الخلاقة التي من شأنها أن تعيد للكتاب حضوره ومكانته في المنطقة العربية، الأمر الذي يسهم في تحريك عجلة النشر مجدداً، على اعتبار أنها تعد واحدة من ركائز أي مشروع حضاري، فهي كما توصف تشكل «ذاكرة الصناعات الثقافية»، والمدخل الحضاري لتقدم الأمم.

المعوقات التي تواجه صناعة النشر عربياً، قديمة جديدة، على رأسها مشكلة التوزيع، وعدم وجود تجانس في الوسط الثقافي العربي، وكذلك اختلاف قوانين المطبوعات والنشر بين بلدان المنطقة العربية، إضافة إلى القرصنة وإهمال حقوق الملكية الفكرية، إلى جانب العوامل السياسية والاقتصادية.

«البيان» في التحقيق التالي فتحت أبواب هذه القضية، لتكون الحصيلة شبه إجماع بين أصحاب وموظفي دور النشر العربية الذين شاركوا في إدلاء آرائهم في هذه القضية، على معظم المعوقات التي ذكرت آنفاً.

ضعف الإقبال

البداية كانت مع صلاح أبو دية، من دار ابن النفيس للنشر، الذي أكد أن صناعة النشر آخذة بالتقلص، وكذلك مبيعات الكتاب. وقال: «ضعف الإقبال على الكتب بشكل عام، وعدم وجود اهتمام كبير بالكتب الأدبية والتاريخية تحديداً، أدى إلى إحداث تقلص في صناعة النشر العربية، وأعتقد أن هذا الضعف يمثل إنذاراً خطراً على دور النشر خاصة الكبيرة منها، والتي تمتلك مخزوناً عالياً من الكتب». وأشار أبو ديه إلى أن السبب الرئيسي في تقلص هذه الصناعة يعود إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

وأضاف: «حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة أثرت على الأوضاع الاقتصادية ومستويات دخل الفرد والأسرة العربية، وبالطبع انعكس ذلك على صناعة النشر، فضلاً عن ذلك فقد لعب انتشار الإنترنت دوراً مهماً في الحصول على الكتب مجاناً، وهذا له تأثيرات سلبية على الصناعة نفسها». وأكد أبو ديه أن عمليات التزوير وعدم حماية الملكية الفكرية في بعض الدول العربية، أثر على صناعة النشر العربية، خاصة في السنوات الخمس الماضية.

وقال: «يمكن القول إن عمليات التزوير والنسخ قد خفت حالياً بنسبة كبيرة، وأصبحت قاصرة على العناوين اللامعة والكتب الأكثر مبيعاً، ولكنها تظل مشكلة تؤرق صناع الكتب والمؤلفين على حد سواء. وتوقع أبو ديه أن استمرار هذه الحالة قد تؤدي إلى إغلاق العديد من دور النشر، أو على الأقل دمجها معاً، معتبراً ذلك أنه "الحل الأخف وطأة على رواد الصناعة".

أسعار الورق

مدير التوزيع في مكتبة الدار العربية للكتاب المصرية، تامر عبد الكريم، أشار إلى أن "صناعة النشر يمكن لها أن تتقلص بالفعل"، عازياً السبب إلى ارتفاع أسعار الورق والأحبار بشكل عام، والتي تشكل العمود الفقري لهذه الصناعة، وأضاف عبد الكريم: "النشر الإلكتروني يشكل عاملاً مهماً في تهديد صناعة الكتاب الورقي.

خاصة في ظل ارتفاع الإقبال عليه من الشباب الذين باتوا أكثر استخداماً لشبكة الإنترنت، وبلا شك أن ذلك من شأنه أن يسبب خسائر كبيرة لدور النشر التي تهتم فقط في نشر وتوزيع الكتاب الورقي، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار المعارض على مستوى المنطقة العربية".

ولفت عبد الكريم إلى أن عدم استقرار الأوضاع السياسية في المنطقة لا يؤثر كثيراً على الصناعة. وقال: "أعتقد أن الأوضاع السياسية تساهم في تنشيط حركة النشر، بسبب ارتفاع الاهتمام بالتأليف وتوثيق ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب وثورات، وهي بالتالي تساعد في رواج الكتب".

أما من حيث الاهتمام بالملكية الفكرية، فقال عبد الكريم: "بشكل عام لدينا مشكلة في هذا الجانب على مستوى المنطقة العربية، حيث يوجد انتهاك واضح لحقوق الملكية الفكرية، وهذا يدعو إلى ضرورة العمل على تشديد القوانين الخاصة بهذا الجانب، بحيث تحد من عمليات التزوير وانتهاك الحقوق، لما يحدثه ذلك من خسائر لدور النشر وحتى المؤلف أيضاً".

حالة تحول

شمايل بهبهاني، مديرة العلاقات العامة في دار بلاتينيوم بوك الكويتيه، بدت أكثر تفاؤلاً حيال مستقبل صناعة النشر العربية. وفي هذا الصدد قالت: "لا أعتقد أن الصناعة مهددة بالإفلاس، على الأقل في غضون الـ 20 عاماً المقبلة، والسبب يكمن في قوة بعض دور النشر، وعدم اقتصار اهتمامها بالكتاب الورقي فقط، وإنما وسعت دوائر اهتمامها لتشمل الكتاب الإلكتروني، ومن خلال تجربتنا في الدار لاحظنا مدى اهتمام فئة المراهقين والشباب بهذا الجانب".

وأضافت: «بلا شك فإن حالة التحول التي تشهدها دول الخليج ناحية القراءة، قد أسهمت في ردم الفجوة التي كانت متسعة سابقاً بسبب عدم الإقبال على القراءة، وحالياً أصبحنا نرى العديد من المبادرات على الأرض تهدف إلى التشجيع على القراءة وجعلها عادة يومية، وهذا بالتأكيد سيؤثر إيجاباً على صناعة النشر».

بهباني رأت في ارتفاع أسعار الورق، عقبة تواجه صناعة النشر، ولكنها اعتبرت في الوقت نفسه، أنها واحدة من العقبات التي يمكن التغلب عليها، في حين أشارت إلى أن عمليات التزوير وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، غير موجودة في منطقة الخليج.

وقالت: «خلال السنوات الأخيرة اتجهت دول الخليج نحو إصدار قوانين تحافظ على حقوق الملكية الفكرية، وهي قوانين تحفظ حقوق المؤلف ودار النشر على حد سواء». وأضافت: "أعتقد أننا في دار بلاتينيوم بوك تجاوزنا هذه المعضلة من خلال اعتماد نظام (ISBN) الذي يؤكد على حقوقنا في النشر ويمكننا من متابعة حركة الكتاب".

عزوف

رأي أحمد فكري، صاحب مركز الراية للنشر والإعلام المصرية، بدا أكثر تشاؤماً. وقال: "بتقديري أن صناعة النشر تعيش حالياً حالة تدهور، وذلك لعدة عوامل أبرزها العزوف عن القراءة".

وأضاف: "صناعة النشر هي أساس تقدم أي شعب، وهي ليست تجارة عادية، لأن أساسها الثقافة والعلم والأخلاق، والتي تتعلق بمكونات الإنسان نفسه، وعدم الاهتمام بهذه المكونات لن نتمكن من خلق أجيال تستطيع مواكبة التطور والعلوم"، واعتبر فكري أن "إهمال صناعة النشر يعني إهمال بناء أمه كاملة".

وقال: "هناك العديد من السلبيات التي تعاني منها صناعة النشر العربية بشكل عام، أبرزها عدم الاهتمام بالملكية الفكرية وهذا يشجع بالتأكيد على سيادة عمليات التزوير والنسخ للكثير من الكتب، خاصة الأكثر مبيعاً، وأعتقد أنه يمكن التخلص من هذه المعضلة عبر تفعيل القوانين الرادعة لأعمال التزوير والقرصنة التي تشهدها بعض الأسواق العربية، كما يمكن أيضاً حلها من خلال توفير مواقع خاصة لبيع الأفكار وحقوق التأليف بشكل رسمي".

وأشار إلى أن خلق أجيال قارئة سيساعد على النهوض بصناعة النشر سواء الورقي أو حتى الإلكتروني، وقال: تطوير طرق التعليم في منطقتنا العربية سينعكس إيجاباً على هذه الصناعة، لأن ذلك سيمكننا من بناء الإنسان المثقف والواعي.

قدرة مادية

من طرفه أكد رائد عبد ربه، صاحب دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، أن حالة التدهور التي شهدها قطاع النشر في المنطقة بدأ مع انطلاقة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وقال: الربيع العربي خلق أوضاعاً سياسية غير مستقرة والتي أثرت بدورها على الاقتصاد والقدرة المادية للفرد والمؤسسات العلمية والتعليمية بالدرجة الأولى، والتي قامت بخفض ميزانياتها التي كانت ترصدها لشراء الكتب، ما انعكس سلباً على حركة النشر العربية. ونوه عبد ربه بأن النشر الإلكتروني لعب دوراً مهماً في تقليص صناعة النشر الورقي.

وقال: مع انتشار الإنترنت وسهولة الوصول إليها، أصبح الكتاب الإلكتروني متوفراً بكثرة، خاصة أن معظم المواقع الإلكترونية تتيح تحميله مجاناً، وهو ما يؤثر على أرباح دور النشر وحتى المؤلف أيضاً، وقد زاد على ذلك عدم اهتمام بعض الدول بحقوق الملكية الفكرية، الأمر الذي سهل من عمليات التزوير والقرصنة والنسخ للكتب.

الكاتب الإماراتي فيصل سعيد السويدي أشار في حديثه إلى أن"صناعة النشر غير مهدده بالإفلاس أو حتى الانقراض، رغم الهجوم الشرس عليها من قبل الكتاب الإلكتروني". وقال «لا يزال للكتاب الورقي سوقه، ومحبيه الذين يقبلون عليه بشغف».

وأضاف: «أعتقد أن صناعة النشر يمكنها اكتساب القوة من خلال المبادرات الخلاقة التي نشهدها في دولة الإمارات، مثل تحدي القراءة العربي، الذي أطلقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، والذي جعل من خلال هذا التحدي كل الوطن العربي يقرأ، ويبادر إلى ذلك، وبتقديري أن مثل هذه المبادرات تحفز دور النشر على العمل.

وهو ما يضمن لنا طول عمر صناعة النشر»، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن اهتمام دور النشر بتطوير منظومة العمل في هذا القطاع، ومواكبتها لمتطلبات العصر والأجيال الحالية سيساعد أيضاً على رفع مستوى صناعة النشر في المنطقة العربية.

عوامل

أما سمير الجندي، المدير العام لدار «الجندي» المقدسية، فأكد أن طبيعة عمله يختلف عن واقع عمل أي دار نشر عربية أخرى، باعتباره يعيش في أحضان القدس المحتلة ويعمل منها.

وقال: «هناك العديد من العوامل والعقبات التي تواجه صناعة النشر العربية، من بينها ارتفاع كلفة الطباعة، وهو ما سيرفع من أسعار الكتب بشكل عام»، ونوه الجندي أيضاً بارتفاع كلفة النقل وشحن الكتب إلى المعارض الدولية والعربية. وقال: «بتقديري أن معظم دور النشر العربية تعاني من هذه المعضلة»، مبيناً أن معاناة الناشر العربي زادت في ظل وجود عزوف عام عن شراء الكتب.

إحصاءات

30

تشكل دبي وجهة مهمة لاجتماع القراء بالكتاب، في ظل مهرجان طيران الإمارات للآداب، الذي شهدت دورته التاسعة المنعقدة في مارس الماضي، إطلاق نسخة «مؤتمر دبي الدولي للنشر» الأولى، الذي أقيمت فعالياته على مدار يومين، ونجح في استقطاب أكثر من 30 خبيراً للمشاركة في نقاشاته وندواته.

60 %

بينت الإحصاءات أن 60% من حجم ما نشر في الوطن العربي خلال الفترة من 2012 وحتى 2014 يكاد أن يكون محصوراً بين 40% للكتاب الديني، و20% للروايات العربية، ورغم ارتفاع نسبة الكتاب الديني، إلا أنها تفاوتت، حيث بلغت في 2012، نحو 43%، لتصل في 2013 إلى 40%، أما في 2014 فوصلت 44%.

11

حمل تقرير التنمية الثقافية السنوي الرابع الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي عام 2012، أرقاماً صادمة في ما يتعلق بمعدلات المقروئية في الوطن العربي، حيث أشار التقرير أن الفرد العربي يقرأ بمعدل ربع صفحة كتاب فقط في العام، مقابل 11 كتاباً يقرأها الأميركي، و7 كتب هي حصة البريطاني سنوياً.

83 %

تشهد الإمارات نشاطاً ملحوظاً في صناعة النشر، حيث بينت التقارير أن الدولة تصدر نحو 83% من إجمالي الكتب العربية إلى أميركا اللاتينية سنوياً، وفي المقابل، تقدر قيمة صادرات الكتب من أميركا اللاتينية إلى الدول العربية بنحو 59.314 دولاراً أميركياً فقط، وأن 80% من إجمالي هذه الصادرات يتوجه إلى 6 دول على رأسها الإمارات.

4000

تقدر قيمة المنحة التي يقدمها صندوق منحة الترجمة التابع لهيئة الشارقة للكتاب، بنحو 1500 دولار لكتاب الطفل، فيما تصل إلى 4000 دولار لكل أنواع الكتب الأخرى، وذلك بهدف تغطية تكلفة ترجمة الكتاب، كلياً أو جزئياً.

2000

أكثر من 2000 فعالية ينظمها مهرجان الشارقة القرائي للطفل سنوياً، بهدف تعزيز القراءة والمعرفة لدى الأطفال بطرق مبتكرة وتفاعلية، وتفعيل قطاع النشر العربي، خاصة أن المهرجان يستقطب سنوياً نحو 300 ألف زائر من داخل الدولة وخارجها.

500

بينت الإحصاءات أن الإمارات تنشر سنوياً نحو 500 عنوان جديد، وذلك مقارنة مع 6 كتب فقط تم إصدارها في 1970، في حين أكدت الإحصاءات أن صادرات الإمارات من الكتب تتجاوز حاجز الـ 40 مليون دولار أميركي سنوياً، إذ حقق سوق النشر الإماراتي نمواً سنوياً بنسبة 12% خلال العقد الماضي.

2009

شهد هذا العام الإعلان عن تأسيس جمعية الناشرين الإماراتيين بمبادرة من الشيخة بدور القاسمي، بهدف خدمة وتطوير قطاع النشر في الإمارات، والارتقاء به والنهوض بدور النشر، من خلال برامج التأهيل والتدريب التي ترفع كفاءته وتعمل على رعاية العاملين في هذا القطاع بالدولة.

 

Email