إبراهيم جمعة..«نهام» الإيقاعات الشعبية

تصوير: وليد قدورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ صغره صاحب الإيقاع الشعبي، عشقه كـ «مجنون ليلى»، وهو الذي كبر على صوت نهام البحر، فأتقن نغماته التي تحمل بين تفاصيلها شجناً واشتياقاً لمن تركهم خلف ظهره. إنه الملحن إبراهيم جمعة، الذي تقرأ اسمه خلف جمل لحنية كثيرة تتلون بالإيقاع الشعبي الإماراتي، الذي يحمله في قلبه ويعتبره أمانة في عنقه. جمعة له بصمته وحضوره اللافت على الساحة الفنية، فهو يتقن التمييز بين الأصوات الغنائية، ويعشق ضربات «الدف» و«طبل الراس» التي يجد بينها أصالة الفن الشعبي الإماراتي.

في حواره مع «البيان» أكد جمعه أن الإيقاعات التراثية الإماراتية لا تزال كما هي، وأن التطور أصاب آلاتها فقط، مشيراً إلى أن اللهجة المحلية هي ما يميز الفن الشعبي الإماراتي على مستوى الخليج، داعياً إلى ضرورة الاهتمام بالفنون الشعبية وتجديدها بدماء شابة، للمحافظة على هوية الفن الشعبي الإماراتي.

تقنية العزف

لا يتخلى جمعه، وهو القادم من عقد الخمسينيات في حديثه عن صراحته التي تزينها روحه خفيفة الظل، المتأثرة بموجات البحر، وفي حوارنا معه. قال: «الإيقاعات التراثية الإماراتية لا تزال كما هي، والتطور أصاب الآلة نفسها وطريقة العزف عليها، ففي الماضي كانت»الضروبات«ذات»ايقاع«واحد، بينما حالياً اختلفت وأصبحت مُشكلة قادرة على التفاعل مع الجمل اللحنية، وأصبحت تُستغل في»الكوبليهات«أو الوقفات لملء الفراغات، وهذا بلا شك أدى إلى تطور تقنية العزف نفسها». وأشار إلى أن «الدف» كان قديماً يسخن على النار، بينما حالياً أصبح يسخن بوسائل أخرى تعتمد على الكهرباء، وقال: «هذا الاختلاف سهل من طرق التعامل مع»الدف«، ولكن ذلك لم يخرجه عن ايقاعه الأساسي، لأن لكل ايقاع هوية معينة، لا يجوز الخروج عنها».

«اللهجة الإماراتية هي التي تميز فنوننا الشعبية عن بقية دول الخليج»، بهذا التعبير يرى جمعه الاختلاف في الفنون الشعبية بين الإمارات وبقية دول الخليج، وقال: «هناك فنون مشتركة بيننا مثل»الرمبة«و»الليوا«و»الطنبوره«وغيرها، ولكن يظل الإيقاع الشعبي الإماراتي متميزاً بلهجته»، مؤكداً أن الايقاع الشعبي الإماراتي كان قديماً يسمى «الردح» وليس كما هو معروف حالياً باسم «البندري». وقال: «البندري المتعارف عليه حالياً، ليس من فنوننا الشعبية، وهو أصلاً من بلاد فارس، لأن حمل السلاح لدينا لا يكون إلا في العيالة والحربية والشلات الشعبية فقط».

ألوان

تقلبات البحر وأمواجه لعبت دوراً في صياغة شخصية جمعه، الذي تربى في فريج «الضغاية» بدبي، ما أكسبه صوتاً قريباً من «النهام». وقال: «لدينا 4 ألوان فنية رئيسية في الإمارات، هي الصحراوي والبحري والساحلي والجبلي، وكل واحدة منها تتفرع ألوان عديدة، بالنسبة لي تأثرت بالبحري لكوني نشأت بهذه البيئة، وتلفتني»النهمة البحرية«سواء في التقصيرة (تغنى عند سحب»السن«إلى المرساة) أو الجر (الغناء الذي يؤديه البّحارة على إيقاع مجاديف القارب) أو الخطيفة (الأغاني التي تقال عند رفع أشرعة السفينة)، والنهام عادة ينهم بصوته وليس من حنجرته، نتيجة ما يتحمله من تعب وسهر وغربة، ولذلك فصوته مميز وهو الأقدر على منح الحنين والحزن عند الموال، ولا بد أن يكون لدى النهام أداء مؤثراً».

جمعة أشار إلى ضرورة العمل على تأسيس لجنة متخصصة في تقييم الفن واجازة الأصوات والألحان، وقال: «يجب أن يكون هناك شروط معينة لكل من يريد دخول مجال التلحين، لأن الكل أصبح ينصب نفسه ملحناً رغم عدم درايته بأصول التلحين، وهو ما أنتج لدينا أغنيات ذات لحن واحد فقط، وأعتقد أنه بات علينا الاهتمام أكثر بالفنون من خلال انشاء معاهد موسيقية متخصصة قادرة على تخريج شباب يمتلك الثقافة الموسيقية»، متمنياً أن يحظى الفن بربع ما تحظى به الرياضة من اهتمام، وأن يتم تأسيس مجلس لها كما في الرياضة مثلاً، يساهم في تنشئة الموسيقيين والفنانين على أصول جيدة.

اهتمام

لا يكف جمعة عن المطالبة بضرورة الاهتمام بالفنون الشعبية وتجديدها بدماء شابة، معتبراً أن ذلك سيحفظ هوية الغناء والفنون الشعبية المحلية من الانقراض. وقال: «يجب الاهتمام بضخ دماء جديدة في الفن الشعبي على اختلاف ألوانه، فهو المكون الأساسي لهويتنا الوطنية والفنية، لا سيما وأن الأغاني الفاسدة التي لا تمتلك هوية، باتت هي السائدة على الساحة».

صفحة متخصصة بالموسيقى وروائعها تصدر كل اثنين

Email