مأهولة بالسكان منذ 5 آلاف عام

العين واحة مفردات الأصالة والحضارة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر منطقة «العين»، بما تضمه من واحات مفردات جمالية ومعمارية، لا يدرك جمالها ولا يعرف قدرها إلا من اضطر إلى ركوب الرمال المتحركة وسط الصحراء، التي لا يوجد فيها الزرع والماء، وتكثر فيها الرياح والعواصف التي تتحدى وجه الإنسان بذرات الرمل الناعمة.

وتعيق حتى المطية (الجمل) عن استكمال وجهتها والتوقف، وهذا يجبر المسافر على الالتفاف إلى ما لديه من ماء، حرصاً على حمل أكبر كمية يستطيع حملها للوصول إلى مكانه المقصود لضمان حياته في هذه البادية وحياة حيوانه.

ولا تتفق المصادر والوثائق والأدلة التاريخية على تاريخ نشأة الواحات في منطقة «العين»، أو كيفية تطورها ومتى بدأ استيطانها، وبالتالي، من الصعب تحديد واحة بعينها للقول إنها أول الواحات، بل هي نتاج تحولات مناخية وتغيرات بيئية وتشكيلات طبيعية، لكن ليس هناك ما يجعلنا نستبعد فرضية أن واحات مدينة «العين»، وبخاصة واحة الهيلي، ظلت مأهولة بالسكان منذ 5 آلاف عام.

فالمؤكد أن هذه المنطقة كانت مهداً لحضارة مجيدة، والمعروف أن الحضارات لا تنشأ إلا في الأماكن التي تتوفر فيها مقومات الاستيطان، و تشير الشواهد التاريخية إلى أن كل أو معظم واحات «العين»، ظلت مأهولة بالسكان منذ نحو 3 آلاف عام، وبالرغم من أنه ليست هناك أرقام محددة عن عدد السكان، فإن المقابر الموجودة والمباني الأثرية، تدل على نوع من التمركز السكاني والحياة المزدهرة.

شريان حياة

واحات «العين» جنان بعبق التاريخ، حباها الله بالماء منذ القدم، وهو «شريان الحياة»، فالمقيم يطيب له المقام، والمسافر يستعيد نشاطه، ويتجدد أمله، ويسترد قواه، وتنسيه كل ما تعرض له من مصاعب ومشقات، وما أبداه من عجز وضعف تجاه القوى الخفية القادرة المهيمنة على الصحراء.

ويشعر المقيم والمسافر في واحات «العين» منذ القدم بطيب الهواء ويتذوق عذب الماء، ويستظل بالأشجار وتنمو وتخضر الأعشاب، بفضل «شريان الحياة»، وعند وصول الإنسان إلى واحة «العين»، فلا بد أن يستولي عليه شعور من حيث لا يشعر بعظمة سحر هذا المكان .

ويقول المواطن عبد الله مطر عبد الله الدرمكي (من سكان مدينة العين): مناخ واحة العين الداخلي عموماً جاف، خالٍ من الرطوبة، والتي تكون نسبتها عالية على السواحل، ولهذا يتذمر سكان السواحل من أثر الحر المشبع بالرطوبة، مع أن الحرارة ذاتها لا تكون عالية كثيراً، وإنما مبعث هذا التضايق هو من الرطوبة المصحوبة بالحرارة .

على خطى الأجداد

ويوضح الدرمكي أن واحات «العين» تشكلت عن طـــــريق نقل المياه من العيون عبر قنوات الأفلاج، وهي طريقة ذكية لاستخدام المياه الجوفية، ويستدرك: ما زال أهل الواحات يزرعون على سنة آبائهم وأجدادهم الأقدمين.

ويشاهد السياح آثار سدود في هذه المناطق، شيدها الأقدمون للتحكم في الأمطار التي تسقط بغزارة، وتجري ســيولاً، وقد وجد في المكان كتابات دونها أصحابها، حسب معتقداتهم، شكراً على نعــمة الغلة الوافرة والحصاد الغزير، ووجود هذه الكتابات، دليل ناطق على وجود الحضارة فيها في تلك الأيام.

مدينة الأصالة

عرفت مدينة العين على مر العصور، بأنها مهد الحضارة ومدينة الأصالة والعراقة والتاريخ، وتميزت كواحات مزدهرة تجذب إليها الأهالي والرحالة والتجار والمسافرين للاستراحة، وهو ما أكدته التنقيبات والمكتشفات الأثرية التي تم اكتشافها، ودلت على أن «العين» منطقة تنبض بالحياة منذ أكثر من 5000 عام.

وتشير المراجع التاريخية وكتب الرحالة، أن واحات «العين» كانت مصيفاً لأهل الإمارات، ومقصداً للقوافل التجارية، فالجميع يفد إلى هذه الجنة الخضراء، ليتزود منها بما يحتاجه من ماء أولاً، ثم الرطب وغيره من المنتجات.

رحالة وحظيت واحات «العين» بشهرة واسعة منذ أكثر من مئتي عام، لذا، زارها العديد من الرحالة الأجانب الذين كتبوا عنها، وشدهم إليها صيتها وذكرها الدائم في الكتب كجنان بعبق التاريخ، ومصيف آل نهيان، وواحات وارفة الظلال وسط صحراء قاحلة جرداء، وتأخذ هيبتها كونها تعتبر امتداداً جغرافياً طبيعياً لصحراء الربع الخالي الأسطورية المهيبة.

ومن الرحالة الذين كتبوا عن مدينة «العين»، كمصيف مفعم بالنسيم العليل وذكريات معطرة بعبق الظلال الوارفة:

وكان قد وصل الواحة الكابتن الرحالة «اتكينز هامرتون»، الذي زارها عام 1840، وقد سافر لمدة أربعة أيام للوصول إلى الواحة قادماً من الشارقة، وهاله منظر القلعة العظيمة، على حد تعبيره، التي تطل على الواحة.

وهي مزودة بمدافع مجهولة الأصل والمنشأ «حسب وصفه»، ذخيرتها ليست دانات متفجرة، وإنما كرات من الحجر الصلب أو الحديد، وقد أذهله انتشار الخضرة وحدائق البرتقال والتين والزيتون والرمان وأشجار النخيل الباسقة، وحقول القمح الممتدة حتى الأفق.

وكل هذا ترويه قنوات مغطاة تحت الأرض، تتخللها بين مسافة وأخرى فتحات للتهوية، وبعض هذه القنوات طويل جداً، وينسب أهل الواحة، كما دون «هامرتون»، هذه القنوات إلى عهد الملك سليما، كما قام العقيد «إس بي مايلز»، المعتمد السياسي البريطاني في مسقط في شهر نوفمبر من عام 1875، بزيارة لواحة العين، وذكرها «جي. بي كيلي» في كتابه: «الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية»، حيث قصدها عن طريق ساحل الباطنة ووادي الجزي وكتب عن مشاهداته في الواحة.

بهجة

تمنح «العين»، تلك المدينة الواقعة على مشارف جبل حفيت، زوارها وقاطنيها على حد سواء، ملجأ من حرارة الصحراء، وكثيراً من البهجة، وجمالاً طبيعياً لا مثيل له، تتلألأ هذه المدينة التليدة كالجوهرة تحت هواء الجبل النقي، وقد كانت دوماً مصيف الأهالي ومقر آل نهيان ومستقر ضيوفهم، وينجذب الزوار مباشرة عند مرورهم خلال شوارعها الرئيسة لجمالها الذي يمزج بين عبق الماضي ونبض الحاضر.

Email