تكرار وهبوط محتوى وكثرتها تهدد شعبيتها

المسلسلات الكرتونية في قفص الاتهام

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن أحد يتخيل النجاح الساحق والشعبية الكبيرة التي حققتها المسلسلات الكرتونية التي جاء بعضها بتقنية ثنائية الأبعاد، وبعضها الآخر بتقنية ثلاثية الأبعاد، حيث استطاعت بجدارة أن تحقق نسب مشاهدة عالية، ما أهّلها للتربع على قائمة برامج الفضائيات العربية، واجتذاب المشاهدين الكبار قبل الصغار، وإشعال المنافسة بين نجوم الصف الأول للمشاركة بأصواتهم، وإبراز أقصى طاقاتها وقدراتها، ومع انتعاش صناعة المسلسلات الكرتونية، وظهور عدد كبير منها على الشاشات، إما للمرة الأولى، أو في إطار استكمال سلسلة أجزاء معينة، يتجدد السؤال حول مدى تشبع الجمهور أو تعطشه لمثل هذه الأعمال، والاستراتيجيات التي يضعها صناع هذه المسلسلات للاستمرار وتحقيق التميز.

تقليد ممل

يقول ناصر المقبالي، موظف: «نجح مسلسل «شعبية الكرتون» خلال موسمه الأول في عكس الواقع وانتقاده بأسلوب كوميدي ساخر كان جديداً علينا كجمهور، إضافة إلى أن مسلسل «فريج» أسهم في تعريف المشاهد غير الخليجي بالموروث الشعبي والعادات والتقاليد الأصيلة في قالب فكاهي كانت نجماتها أربع جدات، ولكن مع كثرة المسلسلات الكرتونية ورغبة الكثير في تقليد هذين العملين، أصبح هذا النوع من الأعمال الكرتونية مملاً ومضجراً، ففي كل موسم تظهر شخصيات جديدة، ولكن المحتوى لا يتغير، والأفكار تعيد نفسها بطريقة روتينية».

تكرار

أما الإعلامي طارق الشميري، فيؤكد أنه توقف عن متابعة مسلسلي «خوصة بوصة» و«شعبية الكرتون»، وقال: «كنت أحد المتابعين الأوفياء للمسلسلات الكرتونية خلال السنوات الماضية، ولكنني توقفت هذا العام لإحساسي بالملل، حيث أصبحت النصوص عبارة عن حشو لا فائدة منه».

وأضاف: «تطرقت المسلسلات الكرتونية إلى غالبية القضايا، كما أُدخل في موضوعاتها شيء من التكنولوجيا الحديثة، ولكنها بدأت في الأجزاء الأخيرة بتكرار نفسها، ما يؤكد أنها بحاجة ماسة إلى الاعتماد على أقلام جديدة، وهنا أنصح بإتاحة الفرصة أمام الجمهور للمشاركة في كتابة حلقات المسلسلات، لتحقيق التنوع واكتشاف مواهب جديدة تثري هذه الصناعة، وإلا فإنه سيكون من الأفضل إيقاف نمط الأجزاء، والتوجه نحو أعمال إبداعية جديدة وتحت مسميات جديدة أيضاً، لأن العيش على نجاحات المواسم والأجزاء الأولى فشل بحد ذاته».

انحدار المستوى

الإعلامي عبد الله المصعبي، يقول: «تناولت معظم المسلسلات الكرتونية في مواسمها الأولى موضوعات اجتماعية هادفة، ولكنها سرعان ما أصبحت متوسطة المستوى، ثم انحدرت نحو التكرار، وابتعدت كثيراً عن الأهداف المرسومة لها، ومن بينها ترسيخ الهوية الوطنية، وذلك من خلال شخصيات تتحدث اللهجة المحلية بأسلوب ركيك، ومنها «شامبيه» في «شعبية الكرتون» و«أم علي» في «فريج»، وقد أثرت هاتان الشخصيتان بشكل كبير في الأجيال الناشئة».

وحول مسلسله الكرتوني المفضل، أوضح المصعبي أنه «المصاقيل»، وقال: «أحببت هذا العمل الكرتوني السعودي، لأنه فكاهي وذو نص رشيق وأنيق بلا حشو أو تكرار، والأهم أنه يرسخ اللهجة السعودية».

انعدام التنوع

الإعلامية نورا المرزوقي تقول: «كان لدي فضول كبير لمعرفة قدرات المواطنين في مجال صناعة المسلسلات الكرتونية، حالي حال بقية الجمهور، لا سيما أن الساحة على مدى السنوات الماضية كانت تخلو من الإنتاج الكرتوني المحلي، ولا أحد يستطيع أن ينكر نجاح «فريج» و«شعبية الكرتون» وغيرها من الأعمال التي ظهرت لاحقاً على الشاشات، ولكن المشكلة الحالية تكمن في غزارة الإنتاج وانعدام التنوع، لأن الجميع أصبح يسير على الوتيرة نفسها».

وتابعت: «هناك اجتهادات واضحة، ولكن المسلسلات الكرتونية بحاجة إلى عمق أكثر وإلى محتوى جيد يضمن لها الاستمرار ويحافظ على هيبة نجاحات مواسمها الأولى، فالأجزاء المتلاحقة لا تعني المحافظة على البريق والتألق، واستثمار النجاح بشكل غير مدروس يؤدي التراجع».

وحول ما إذا كانت تطمح إلى استثمار خامتها الصوتية في أحد المسلسلات الكرتونية الحالية، أوضحت أن هذه الأعمال لا تغريها، وقالت: «قدمت بصوتي كثيراً من الإعلانات التجارية والإخبارية، كما خضت سابقاً تجربة المسلسلات الكرتونية، ولكن باللغة العربية الفصحى، وهذا أسعدني كثيراً، ولن أرفض المشاركة في الأعمال الحالية إذا كان النص هادفاً وجميلاً».

تحرر «فريج»

قدم محمد سعيد حارب 5 مواسم ناجحة من مسلسل «فريج» الذي تم عرض جزئه الأول في عام 2006، لا سيما أنه ابتعد عن الطرح الكوميدي، عبر تقديم الفنتازيا والأغاني والدراما، كما حاولت أم خماس بطريقة ساخرة الوصول إلى حلول للمشكلات الاجتماعية السائدة وسط التغيرات الجذرية التي يمر بها فريجهن. وقد استطاع المسلسل أن يحقق شعبية كبيرة نظراً لقدرته على مخاطبة مختلف الفئات العمرية التي شكل تفاعلها مع الأحداث مسؤولية على عاتق محمد سعيد حارب لتقديم مواسم تحمل ابتكاراً وإبداعاً .

عقبات تحول دون الإبداع

الحديث عما وصل إليه مستوى المسلسلات الكرتونية لا يكتمل دون معرفة وجهة نظر صناعها، والعقبات التي تحول دون إبداعهم، لا سيما وأن أحكام الجمهور قد تغفل عن كثير من الجوانب المهمة.

محمد سعيد حارب، صاحب فكرة المسلسل الكرتوني «فريج» وضع يده على الجرح، وقال: تضع القنوات الفضائية المخرجين تحت ضغط كبير لإنتاج مواسم جديدة من العمل نفسه ضمن فترة زمنية معينة، فقط لإرضاء الرعاة، دون أن تضع في اعتبارها أهمية المحافظة على النجاح الذي حققه هذا المسلسل الكرتوني وحمايته من الانزلاق نحو إفلاس المحتوى، والأهم تشجيع المخرجين على إنتاج أعمال جديدة تصب في مصلحة الجمهور ونوعية الإنتاج المحلي.

وتابع: بعد الموسم الثالث من «فريج» شعرت أنني بحاجة إلى استراحة فكرية ونفسية تمكنني من دراسة خطواتي المقبلة بإبداع، وفضلت طرح موسم كل عامين، لأن العمل تجاوز مرحلة كسب محبة المشاهدين، والغياب في هذه الحالة يصبح صحياً ويعزز الترقب.

تقليد

وحول رأيه بالمحاولات والتجارب الكرتونية التي ظهرت لاحقاً بعد نجاح «فريج» و«شعبية الكرتون»، قال: سعى البعض إلى تقليد هذين العملين، ولكن محاولاتهم لم تكلل بالنجاح، لأنه تم حصر المحتوى الكرتوني بالتراث والقضايا الاجتماعية، إضافة إلى أن المسلسلات الكرتونية عندما تقدم مضموناً جاداً فإنها تخرج عن إطارها الأساسي وهو الترفيه والفكاهة.

تويتر

محمد سعيد حارب عاتب على فئة من الجمهور تنتقد بسلبية دون أدنى معرفة ووعي بطبيعة ما تشاهده، وقال: «مندوس» على سبيل المثال يحمل شعار «للأطفال فقط»، وما أدهشني أخيراً اتهام أحدهم على «تويتر» لـ«مندوس» بأنه سطحي، علماً أن الملاحظة لم تصدر من طفل، بل من شخص ثلاثيني ناضج، المسلسل غير موجه له بالأساس.

موسم 11

على صعيد آخر، أوضح حيدر محمد، صاحب فكرة المسلسل الكرتوني «شعبية الكرتون»، أنه بصدد التحضير لمسلسل كرتوني فكاهي جديد يتكون من 15 حلقة مختلف كلياً عن «شعبية الكرتون»، كما أنه يستعد لتحضير النسخة 11 من «شعبية الكرتون»، وقال: تناول فكرة معينة على مدى 5 حلقات من زوايا مختلفة، لا يعد تكراراً، وهو أمر مسموح حتى في الأعمال العالمية، ونحن في كل موسم نستعين بكتاب جدد، بحيث يرسخون خط العمل الخاص بـ«شعبية الكرتون»، وفي الموسم 11 سيشارك الكاتب الكويتي عبدالعزيز الحشاش للمرة الأولى، لتعزيز التنوع والتجديد.

جدل

وأضاف: «شعبية الكرتون» يقدم الكوميديا الاجتماعية، ولم يصمم لترسيخ الهوية والتراث، أما بالنسبة لشخصية «شامبيه» التي أثارت جدلاً واسعاً فلا أعتقد أن ظهوره على مدى 30 يوماً فقط في السنة، سيعمل على تخريب هوية ولغة جيل للأسف يتربى على أيدي الخادمات ويتلقى تعليمه في مدارس أجنبية، ويعيش في كنف عائلة تفضل التحدث فيما بينها باللغة الإنجليزية. وحول ما إذا كان يفكر في إيقاف سلسلة أجزاء «شعبية الكرتون»، قال: طالما أن نسب مشاهدة العمل عالية وهناك رعاة ملتزمون بدعم المسلسل فلماذا أتوقف.

بث مباشر

وأضاف: توجد في كل مجتمع فئة بسيطة لا تمتلك ثقافة المشاهدة، وتجلس أمام التلفزيون كمترصدة ومتصيدة، أملاً في أن تجد مادة تناقشها في اليوم التالي عبر برامج «البث المباشر».

أجزاء

«مندوس» مبادرة جليلة

بادر مركز الجليلة لثقافة الطفل بدبي بإنتاج مسلسل «مندوس» الكرتوني، تماشياً مع رسالته وأهدافه التي تتمثل بتوفير آفاق ثقافية متنوعة لإثراء حياة الأطفال وضمان إيصال المعلومة إليهم بكل وسيلة ممكنة، حيث ينقسم المسلسل إلى ثلاثة أجزاء (البحر والبر والفرجان)، كل جزء منها يتضمن 15 حلقة، مدة الواحدة ما يقارب 13 دقيقة، وقد لاقى موسمه الأول نجاحاً كبيراً، لا سيما أنه نقل الأطفال إلى عالم الأجداد عبر البحر وذكرياتهم الوفيرة بدءاً من أسماء الطيور وأنواع الأسماك وأنواع اللؤلؤ وأسماء العواصف والرياح والنجوم، ومروراً بالمهن التراثية مثل صناعة السفن والغوص والصيد واستخراج اللؤلؤ، ووصولاً إلى الفنون البحرية، وصولاً إلى أسماء الأدوات المستخدمة في كل مهنة.

وسعى مركز الجليلة إلى التوجه إلى العالم وليس للمجتمع الإماراتي فقط من خلال «مندوس».

نجاح

مراجع موثوقة

خاطب مسلسل «مندوس» عقل الطفل وعاطفته، واستطاع أن يغذي ثقافته التراثية من خلال الغوص في بحر التراث المحلي، وتناوله للمهن التراثية والمفردات المحلية، على مدى 15 حلقة ممتعة تخللتها أحداث مشوقة وترفيهية وتثقيفية.

إن نجاح «مندوس» له أسباب كثيرة، ومن بينها أنه اعتمد على مراجع موثق البيئة البحرية في الدولة جمعة خليفة بن ثالث الحميري، بينما تولى محمد سعيد حارب، صاحب فكرة مسلسل «فريج»، كتابة حلقات المسلسل وإخراجه أيضاً، فضلاً عن أن التقنيات التي قدمت للعمل تعد الأحدث عالمياً من ناحية الرسوم والتحريك والموسيقى والصوت، وليس هذا وحسب، بل يوجد تطبيق لعبة إلكترونية على الأجهزة اللوحية، ليكون «مندوس» بذلك أول عمل تراثي ينقل بأحدث التقنيات العصرية، حيث تتكون اللعبة من 10 مراحل تتمحور حول الذاكرة والذكاء وسرعة البديهة في سياق قصصي.

Email