صرح عالٍ يوثق تاريخ الأطماع الإنجليزية في المنطقة

قلعة ضاية.. سيرة دفاع عن الأرض

■ معلم تاريخي يكرس مفاهيم الانتماء والولاء لذاكرة الإمارات وهويتها الثقافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يروي المكان الإماراتي حكاية تاريخ المنطقة، وسيرة أهلها مثلما يفعل المؤرخون في مؤلفاتهم، فلا تمثل القصور والقلاع والحصون مباني تاريخية للزيارة السياحية، وحسب، وإنما تمثل شواهد معمارية راسخة، تؤكد أصالة أهل المنطقة، وتاريخ حضارتهم، وصراعاتهم، وحروبهم، للحد الذي يصبح فيه كل مبنى ومكان حكاية مكثفة لقرون، وعقود مضت.

يظهر هذا الجانب المعمار التاريخي على أرض الإمارات بالوقوف عند مبنى مثل قلعة ضاية التاريخية، إذ تروي حجارتها وجدرانها سيرة الإماراتيين، وحكاية دفاعهم عن أرضهم، ونمط معيشتهم، وثقافتهم الاجتماعية، فهي قلعة عسكرية دفاعية بناها حسن بن علي بن رحمة لمواجهة القوات البريطانية، وبسقوطها انتهت معارك القواسم ضد الإنجليز في 22 ديسمبر 1891 للميلاد.

حكاية القلعة

تقع القلعة على سفح تلة مرتفعة، في مدينة رأس الخيمة، حيث ظلت شاهدة على تاريخ النضال ضد الاحتلال، فعلى أرضها سالت دماء الإماراتيين، وسجل تاريخ سقوطها سيطرة الإنجليز على المنطقة، ووقعوا معاهدة المصالحة مع كل شيوخ المنطقة، كما يوثق الدكتور أحمد أبو المجد في كتابه: «دولة الإمارات العربية المتحدة، دراسة مسحیة شاملة».

تفتح حكاية القلعة وسيرتها الباب على تاريخ رأس الخيمة خلال القرن الماضي، إذ يشكل موقعها فرصة لقراءة شكل الحياة التي سادت في المنطقة خلال تلك الحقبة من الزمن، فالقلعة تقع عند الطرف الشمالي لإمارة رأس الخيمة أي شمالي مدينة الرمس، لتشكل بذلك مفتاح المدينة، وبوابة الدخول إليها، إذ شيدها الإماراتيون الأوائل في موقع استراتيجي «لتتحكم في الممرات والتلال والطريق الساحلي الموصل إلى المدينة، فباتت بذلك مطلة على سهول خصبة في منطقة تحيط بها بساتين النخيل من كل النواحي» كما يصفها الباحث سالم بن محمد في كتابه «القلاع والحصون في الإمارات».

شواهد على التاريخ

يقدم الكاتب مصبح بن سيف اليعربي في مؤلفه «شواهد على التاريخ» وصفاً دقيقاً للقلعة، يكشف فيه أجزاء القلعة، ومبانيها الرئيسية، وأهميتها بالنسبة لأهل المكان، إذ يوضح أن القلعة: «شيدت على قمة تل مرتفع بمواجهة الخليج، وأحيطت بسور صخري مملوء من الداخل بالحصى ليشكل سطحاً مستوياً، كما تم بناء برجين من الطوب الطيني داخل السور المحيط بالجبل، وفي الوسط توجد العديد من الصخور التي تشير إلى وجود مبانٍ شبه دائمة (أكواخ العريش) مكملة للأبراج».

ويكشف الشكل المعماري والمكان الذي اختاروه أهل المنطقة للقلعة، الآلية الدفاعية التي كان ينتهجها الإماراتيون لحماية أرضهم، إذ تعد القلعة «الحصن الوحيد الذي ما زال قائماً على قمة هضبة في الدولة، حيث كانت جزءاً من النظام الدفاعي عن ضاية والمناطق المجاورة»، الأمر الذي يشير إلى أن أهل المكان التفتوا إلى أماكن سكنهم المستوية والمنخفضة في الأرض، وراحوا يشيدون القلاع لتكون مطلة على أكبر قدر من الجغرافيا المحيطة من مكان سكنهم.

واليوم تعد القلعة واحدة من مراكز الجذب السياحي التاريخي الذي يوثق سيرة المكان وحكاية أهله، حيث لاقت عناية كبيرة لتحفظ ذاكرة المكان وتكرس مفاهيم الانتماء والولاء لذاكرة الدولة وهويتها الثقافية لدى الأجيال الجديدة، وقد تم ترميمها 2001.

تاريخ

لا تبرز أهمية القلعة في الوقوف عند الذهنية الدفاعية لأهل المنطقة، وتعاملهم مع الغزوات والصراعات المفاجأة وحسب، وإنما تعد شاهداً على حدث غيّر تاريخ المنطقة، وأحدث الكثير من الفروقات في مسيرة تطورها الحضاري، حيث «كانت القلعة آخر نقطة مقاومة ضد الهجوم البريطاني عام 1819 وقامت الوحدات البريطانية بنقل المدافع الثقيلة من السفن إلى أماكن تستطيع من خلالها الهجوم على القلعة، وفي يوم 22/ 12/ 1819 بدأت المدافع الثقيلة بالرماية فاستسلم المدافعون ضد الهجمات العنيفة التي تلقتها القلعة».

Email