اشتهرت في الموروث الجغرافي وشكلت معلماً سياحياً مُميزاً

واحة ليوا قمر أخضر يضيء «الربع الخالي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الطرف الشمالي من صحراء الربع الخالي على امتداد الجنوب الغربي لأبوظبي تشكل التلال الرملية الملونة هلالاً صحراوياً يحتضن الماء والخضرة التي تتنامى على قرابة مئة كيلو متر، لتفتح قساوة الصحراء ذراعيها على واحة خضراء تروي حكايتها سيرة كبار القبائل الإماراتية وأجداد حكامها وأهلها. على بعد مئتين وعشرين كيلو متراً من الجنوب الغربي لواحة أبوظبي تقع الواحة الأكثر شهرة في الموروث الجغرافي الإماراتي واحة «ليوا»، لتكون اليوم معلماً سياحياً مفارقاً غيّر الملامح الجافة لصحراء الربع الخالي وشكل بيئة غنية لتكوّن أول التجمعات السكانية التي انبثقت منها القبائل المؤسسة لمدينة أبوظبي.

علامات جغرافية

لا تشكل ليوا بكل ما تزخر به من علامات جغرافية ومعمارية مغايرة واحدة من الواحات الكثيرة التي تعرفها كل صحاري الأرض، وحسب، وإنما تعد علامة جغرافية راسخة تروي تاريخاً طويلاً من الكد والتعب الذي لاقاه أهل المنطقة قبل مئات السنين، وتقدم شواهد على العلاقة التي نسجها السكان مع المكان، ومجمل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حولت مكان وجودهم وغيرت خارطة حضورهم.

تبدأ حكاية واحة ليوا من الاسم الذي عرفت به، إذ يتساءل الزائر للمكان عن غرابة الاسم وندرة وجوده، في الوقت الذي يكشف الاسم عن الجذور الفصيحة للهجة الإماراتية، وارتباطها بالعربية القديمة، فليوا هي تحوير عن الجواء، إذ عرفت اللهجة الإماراتية في بعض مناطقها بتحويل الجيم إلى ياء، فصارت الجواء لواء، وخففت الهمزة كما هو حال الكثير من اللهجات الدارجة في العربية.

ما يكشفه هذا التحويل في اسم الواحة، يشير إلى معنى الجواء في العربية الفصيحة وتاريخ استخدامها، فالجواء وفق معاجم اللغة العربية تعني «الواسع من الأَودية»، و«الفُسحة وسط البيوت»، وهذا ما يشير إلى توصيف الواحة ذاتها.

تاريخ المكان

تقدم الوثائق الرسمية التي توفرها «حكومة أبوظبي» عن الواحة معلومات وفيرة حول تاريخ المكان وسيرة ساكنيه، فيرد ما نصه: «كانت واحة ليوا المحطة الأخيرة للاستقرار البشري على الطرف الشمالي لحقل الكثبان الرملية الذي يمتد على طول 650000 كم والذي أصبح معروفاً باسم الربع الخالي نظراً لاتساعه وظروفه المناخية القاسية وبيئته الوعرة. أجرى البدو منابع المياه الجوفية العذبة لزراعة التمور ونتيجة لذلك ظهرت أربعين قرية في ليوا قبل القرن السادس عشر، غير أنه مع بزوغ شمس صناعة اللؤلؤ، فقدت ليوا أهميتها كمركز تنسيق اقتصادي في المنطقة، وانتقل الفرع الرائد من قبيلة بني ياس، آل بو فلاح (أسرة آل نهيان)، إلى أبوظبي خلال أوائل التسعينيات من القرن الثامن عشر».

تشير هذه المعلومات التاريخية إلى أثر واحة ليوا في التكوين الاجتماعي لمدينة أبوظبي اليوم، فلا يمكن المرور على مرحلة التحول السكانية من الزراعة والاعتماد على الأرض إلى البحر وصيد اللؤلؤ من دون التوقف ملياً عند تجليات ذلك كله على أرض الواقع، فالمزارع التي تشكلت في الواحة انتجت معها عدداً كبيراً من الحصون والقلاع التاريخية، وكذلك الحال في تتبع المهن والصناعات التي انتجها صيد اللؤلؤ.

صيانة وترميم

على رغم من ذلك التحول الذي شهدته الواحة، «بقيت مزارع ليوا تمثل أهمية كبيرة لقبائل بني ياس، وبُنيت العديد من الحصون والقلاع على مر القرون في مدن ليوا لحماية مصادر المياه وتحديد أراضي الأسر المختلفة. فيوجد مجموعة كبيرة من القلاع والأبراج المعروف منها حتى الآن يصل عددها إلى خمسة عشر قلعة وبرجاً متفرقة في واحات، منها ما هو متهدم ويحتاج إلى تنقيب حتى يمكن اكتشافه، ومنها ما هو موجود حتى الآن وتتم فيه أعمال الصيانة والترميم، ومن هذه القلاع: قلعة ظفير التي بناها بنو ياس، وموقب التي بناها الشيخ سلطان بن زايد، والغريب، والطرق، وقلعة خنور «خانور» التي بناها بنو ياس خلال الفترة الأولى لحكم شخبوط، وقلعة حويل أو أم حصن، وغيرها من القلاع والأبراج.

خصائص فريدة

اليوم تحول حركة التنمية والسياحة المتسارعة في أبوظبي مجمل تلك الخصائص الفريدة للواحة إلى أماكن جذب سياحي، فأطلق نادي أبوظبي للسيارات في العام 2006 مهرجان تل مرعب الدولي الذي يضم محترفي سباقات السيارات من جميع أنحاء العالم لتحقيق أفضل توقيت للوصول إلى قمة التل، ويستضيف نادي الإمارات للسيارات والسياحة مسابقة سنوية خيرية «رالي أبوظبي الصحراوي» لسيارات الدفع الرباعية والدراجات. إلى جانب ذلك يعد مهرجان ليوا السنوي للرطب واحداً من أشهر المهرجانات التي تحتفي بالتقاليد المحلية وتدعم اقتصاد الواحة.

اهتمام

واحة ليوا لم تكن محط أنظار الباحثين والدارسين قديماً وحسب، وإنما أثارت اهتمام الباحثين المعاصرين اليوم، لما تزخر به مع معالم جغرافية مغايرة، إذ يعد «تل مرعب» ذو الرمال الكثيفة في ليوا من العلامات التي استرعت الاهتمام الدولي لكونه أحد أعلى الكثبان الرملية على مستوى العالم، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 300 متر بينما يبلغ عرضه 1600 متر ويميل بمقدار 50 درجة عن سطح الأرض.

Email