رسالة من إنسان 4-1

«الأولمبياد الخاص» بسمة أمل عربية تتحدى المستحيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

أبي.. أمي، لا تخجلا مني..

فأنا.. إنسان.

الأمر ليس بيدي!

لم أخلق نفسي، وإنما جبلني من خلقكما وخلقني

أنا بين أيديكما، بريئاً، ليناً، مطيعاً، وراضياً..

في سنوات خلت.. عانيت من سخرية الساخرين، وممن جعلوني في مشاهد السينما، مزحة في ليالي السمر.

أيها الممثلون.. لا تجعلوني في قاع المجتمع، وأضحوكة في أعمالكم الفنية..

فأنا.. إنسان!

نعم، قد أكون مختلفاً.. لكني أمتلك من القدرات ما لم تضعوه في الحسبان.

لا أعبأ أبداً بالظلام.. لأنني:

أحمل بداخلي.. «شعلة أمل»

أرجوكم.. صححوا مفاهيمكم عني، فبدعمكم تفتح الأبواب المغلقة.. وتتلاشى المعتقدات الخاطئة فيما مضى أو كان.

أسعى للتكيف مع المجتمع، في شتى المجالات، وفي الرياضة تحديداً أظهرت ما لدي من مهارات..

انتظروني ومن معي من رفاق على منصات التتويج حيث تكون الإنجازات.

هذه هي حالتي، ورسالتي، واحد من أصحاب الهمم.

والتوقيع: إنسان

كانت هذه السطور.. لسان حال مئات الآلاف من «أصحاب الهمم» لذوي الإعاقة الذهنية في عالمنا العربي، الذين نجحوا في الوصول إلى القمم، حين أتيحت لهم الفرصة في إثبات الذات والتعبير عن أنفسهم، وأصبحوا بسمة أمل عربية رغم الظروف، بعد أن كانوا - ومازال بعضهم للأسف - ضحية لعدم المبالاة من أسرهم أو مجتمعاتهم، لدرجة جعلتهم مصدر سخرية وأضحوكة عند بعض أهل الفن الذين لم يترفقوا بهذه النوعية البريئة من البشر، وراحوا يشوهون صورهم، ويرسخونها عند المشاهد.. كمعاق.

الأمر الذي أثر سلباً في سنوات خلت، ساهمت في فرض قيود حديدية على أصحاب الحالات الخاصة، فباتوا يتألمون في صمت تارة، ويصرخون تارة أخرى، حتى بزغ فجر الآمال، متمثلاً في الأولمبياد الخاص، فانتزعتهم الممارسة الرياضية من التقوقع والخجل، لاسيما بعد أن لمسوا بأنفسهم الاهتمام عند المشاركة التنافسية وإثبات الذات، فاستنفرت عزائمهم المحاولات، ودبت فيهم روح الحياة.

بيد أن الوضع رغم تطوره الإيجابي، وسمو «الأولمبياد الخاص» وتطور مسابقاته وفعالياته، إلا أن نسب الملتحقين من أصحاب الهمم لاتزال في عالمنا العربي ضئيلة للغاية، إذ بحسب إحصاءات اللجنة الدولية للأولمبياد الخاص في تقريرها الأخير عام 2017، فإن المسجلين في الأولمبياد الخاص للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لـ22 دولة عربية سجل، 174.060 لاعباً ولاعبة.

«البيان الرياضي» يتناول القضية من مختلف الزوايا، ويفند أسباب ضعف المنتسبين للأولمبياد الخاص العربي، والحلول وطرق العلاج.. ومن خلاله نستعرض الجانب الإيجابي والمظلم للأسرة والمجتمع، ونستطلع آراء المسؤولين، وأولياء الأمور أصحاب التجارب، ورجال الفن والإعلام، كما نقدم كذلك قصص نجاح المبدعين.

ومن حسن الطالع.. أن يتزامن هذا الملف مع بدء العد التنازلي لـ100 يوم الأخيرة قبل استضافة العاصمة أبوظبي للألعاب العالمية للأولمبياد الخاص من 14 وحتى 24 مارس 2019، للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط.

أسباب الإعاقة الذهنية

تعرف الإعاقة الذهنية بأنها حالة من تأخّر نموّ العقل، أو عدم اكتمال نمو الدماغ أثناء فترة نموّ الطفل، من مرحلة وجوده في الرحم، إلى مرحلة ما بعد الولادة، وبلوغه عمر الخمس سنوات، مما يؤدي إلى وجود اضطرابات معينة في الوظائف الطبيعية للطفل، وهي تتفاوت حسب شدة الحالة من بسيطة إلى شديدة جداً، وهي تؤثر على الإدراك والذكاء والاستيعاب والنطق.

الأسباب

Ⅶ الولادة المتعسرة تتسبب في حدوث نقص في تروية الأكسجين للدماغ، مما يؤدي إلى حدوث اضطرابات عقلية متفاوتة في شدتها.

Ⅶ تناول العقاقير والأودية من قبل الأم الحامل من دون وصفة طبية أثناء فترة الحمل، أو استنشاق غازات سامة، مما يؤدي إلى تلف الجهاز العصبي المركزي عند الطفل.

Ⅶ تناول المشروبات الكحولية بكثرة في فترة الحمل.

Ⅶ الحوادث التي تصيب الرأس وتؤثّر على الدماغ.

Ⅶ عوامل جينية مكتسبة من الأبوين، أو من بعض الاختلالات الجسمية التي تؤدي بدورها إلى تحطيم، أو تدمير خلايا الدماغ.

Ⅶ سوء التغذية عند الأم الحامل الذي يؤثر بشكل مباشر في ضعف نمو، وتطور الدماغ، وبالتالي زيادة حالات الإعاقة العقلية بأنواعها.

Ⅶ حدوث بعض الأمراض، والالتهابات التي تؤدي إلى تلف جزئي في الخلايا المغذية للدماغ.

35 دولة تُعاني في تمويل أصحاب الهمم

كشف بيتر ويلر الرئيس التنفيذي للأولمبياد الخاص الألعاب العالمية 2019، أن 35 دولة منها بعض الدول العربية غير قادرة على الانضمام إلى الألعاب العالمية في أبوظبي 2019، بسبب ضعف التمويل المادي.

قال: تواصلنا مع هذه الدول وطلبنا منها حصر المشاكل والمعوقات التي تحول دون مشاركتها، بهدف السماح لأكبر عدد من المنتخبات والدول أيضاً بالمشاركة، وتحدثنا معهم بإمكان توفير الدعم المالي واللوجستي، وطلبنا تكوين فرق حتى ولو كانت صغيرة وفي بداياتها من أجل تحفيزها إلى الانضمام الأولمبياد الخاص.

أضاف: نحاول بشتى الطرق التواصل مع المدارس والأسر في المنطقة العربية من خلال رسائل عبر الإعلام، وسوشيال ميديا، والمواقع الرسمية للأولمبياد الخاص دولياً وقارياً ومحلياً، بتحفيز الأولاد للانضمام إلى المشاركة في الألعاب والأنشطة، وندعو جميع فئات المجتمع ليصبحوا جزءاً من هذا البرنامج الإنساني، الذي يهدف في المقام الأول إلى تطوير مهارات الأبناء ودمجهم في المجتمع، ولا شك في أن التأثير الإيجابي للرياضة بلا حدود ولدينا العديد من النماذج الناجحة، والذين حققوا نجاحات وتميزاً يفوق الأسوياء أبوظبي - البيان الرياضي.

من سجل المعاناة:

«جمال».. هاجرت أسرته وتركته في الأردن

الوصول إلى أعماق الظلام دائماً مليء بالعثرات، لكن في نهاية الطريق لابد من نافذة نور، تظهر بها الحقيقة، هذا الوصف ينطبق على حالة جمال، ذلك الشاب الفلسطيني «30 عاماً» الذي تقيم أسرته في احدى العواصم العربية، وهو الأكبر لأسرته التي تضم بجانبه ولدين وثلاث بنات، جميعهم في عمر الشباب.

ومع معرفة الأسرة بأن الابن «البكر» وفاتحة الخير عليهم هو طفل «توحد»، انزعجت العائلة كثيراً وخبأت الأمر عن المقربين للأسرة، مما توجب مكوث الطفل في المنزل ساعات طويلة، لكن مع سوء حالة الطفل الذهنية والسلوكية ولجوئه إلى الصراخ المتكرر.

بالإضافة إلى تكسير أدوات بالمنزل اضطر الأب إلى إيداعه في أحد المراكز المتخصصة للإعاقة الذهنية وكان عمره حينذاك 5 سنوات، لكن للأسف حالته لم تتحسن كثيراً بعد 3 ثلاث سنوات، والسبب الرئيس أنه لم يجد حنان ورعاية الأسرة التي تركته في أحد المراكز المتخصصة للإعاقة الذهنية بالأردن، وانتقلت هي للعيش في إحدى عواصم الخليج هانئة البال!

التقينا الأخت الصغرى لجمال ووجهنا لها سؤالاً مباشراً حول السبب الذي دفع الأسرة إلى هذا رغم قدرتها على إشراكه في برنامج الأولمبياد الخاص.

فقالت بصوت حزين: لا أخفي سراً أن الأسرة من الأساس، وللأسف، أرادت أن تتخلص من أخي وإبعاده تماماً عن المحيط المجتمعي للأسرة، والدي وإخوتي لم يعتنوا به، والدتي حاولت في بادئ الأمر الاهتمام به، لكنها تراجعت وخبأت الحقيقة بداعي الوجاهة الاجتماعية، فهي ووالدي لم يصطحباه أبداً معهما في المتنزهات.

فكان للأسف جليس المنزل، أما إخواني وإخوتي الشباب، فكانوا أكثر حدة في التعامل معه، وكانوا أيضاً إحدى أوراق الضغط على والدي ووالدتي لإيداعه في أحد المراكز بدولة أخرى بعيدة تماماً عن العاصمة التي نعيش فيها.. للأسف أخي جمال عانى ومازال من عنف أسري، فهم يعتبرونه عالة عليهم.

أضافت بقولها: للعلم أسرتي لا تعاني من مشاكل مادية، أو ضعف الوعي، فالوالد أستاذ جامعي ووالدتي جامعية، والأمور المادية ميسرة، لكنهما أرادا إخفاء أخي الأكبر عن أعين الناس، حتى أهالي شقيقاتي المتزوجات لا يعرفون جمال، وقد حرصن على إخفاء الأمر، حتى لا يظنوا أن الأمر وراثي وربما ينجبن بمثل حالته.

واستطردت: والدتي تتابع جمال بالتليفون أسبوعياً، وتحرص على استقدامه كل عام شهراً واحداً، وأنا شخصياً أحرص على اصطحابه في جولات سياحية، ولا أستطيع أن أصف مدى سعادته وطفولته البريئة، لذلك فهو متعلق بي، لكن الأمر ليس بيدي، فقد فات الأوان، أخي ضحية الأسرة بأكملها فلم يجد الاهتمام أو حتى أقل درجاته، لقد وصل الأمر أن شقيقي تعدا عليه بالضرب والإهانة.. إنها مأساة.

«خالد» سجين عائلة أنانية

توصلنا خلال العمل الميداني لـ«البيان الرياضي» إلى حالتين تعرضتا لعنف أسري، ومع الأسف رفض ذووهما الحديث، مفضّلين الابتعاد عن الإعلام، بالرغم من محاولتنا المتكررة عرض الظاهرة، ووصل الأمر إلى التهديد المباشر في حال الوصول إلى صور أو مستندات في هذا الأمر، وللأمانة سنروي حكاية هذا الشابين حسبما توصلنا إليه من شهادات لجيران كل منهما.

خالد وُلدَ بقصور ذهني وعمره حالياً 39 عاماً، وهو ضحية أسرة تتسم بالأنانية، إذ منذ ولادته وتأكدهم أنه وُلد بإعاقة ذهنية، لم يرَ الطفل المسكين نور الشمس إلا في ساعات محدودة خلال الشهر.

مع السنوات، كبر خالد وزادت بطبيعة الحال قوته الجسمانية ومعها وبسبب العزلة، تعاظم العنف لديه، لكن الأسرة تعاملت مع ذلك بعنف أكبر أملاً في ردعه، لدرجة أنه في إحدى المرات، وهو في عمر الشباب، وبحسب شهادة بعض الجيران، هرب من المنزل، وظل يركض في مشهد أثار الذعر لدى سكان الشارع.

ومن العجيب أن بعضهم كان مُفاجَأً بوجوده، لأنهم لا يعرفون هويته بسبب حبسه المستمر في بيت العائلة، والأعجب أن أسرته عندما تمكنت من الإمساك به، كان عقاب خالد أن يُسلسَل بالحديد أمام المارة، وكأن أهله أرادوا عقابه ليس على هروبه، وإنما لإحراجه أمام جيرانهم بأن لديهم شاباً من ذوي الإعاقة الذهنية، وكيف يراه الناس بهذه الصورة في الشارع وهو سليل أسرة حسب ونسب، وبالفعل يتمتع بعض أخوته بقدر وافٍ من التعليم، لكن نعرة العائلات والوجاهة الاجتماعية دفعتهم إلى ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية التي جعلت خالد حبيساً لجدران بيته.

«معوض».. كأنه آلة تعمل في الحقول

سعت أسرة الشاب معوض صاحب الـ 34 عاماً، للاستفادة من قوته البدنية التي تمتع بها منذ طفولته، ووظفت قدراته البدنية في زراعة الأرض، وأصبح عنصراً منتجاً، غير أنه يُحسب لعائلته أنها زوّجته عندما بلغ عمر 24 عاماً، وأنجب أولاداً، مع ذلك فهو يعيش مثل الآلة لا يعرف إلا الزراعة وتنفيذ أوامر إخوته في هذا الشأن، وهو بعيد عن النشاط الاجتماعي من حضور أي مناسبات أو مشاركات في الحياة الاجتماعية.

ويعتبر حال معوض أفضل من سابقه خالد، على الرغم من وقوعه في دائرة الاستغلال لأسرته، التي وظّفت قواه البدنية في العمل الزراعي الشاق، وإبعاده عن النشاط المجتمعي والرياضي، والشيء الوحيد الذي يُعدّ منصفاً لمعوض هو أن أسرته زوّجته ولم تخَفْ من مولد أطفال يحملون الصفة الجينية نفسها، مثلما يفعل بعض الأسر في عالمنا العربي، ومن حكمة الخالق أنه رُزق بولدين وبنت، وهم طبيعيون ومن الأسوياء.

والسؤال الذي يطرح نفسه: أين دور المؤسسات الرقابية المعنية بمراقبة أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة الذهنية لحمايتهم من العنف الأسري والاستغلال؟ حقهم في الحياة منصوص عليه في دساتير الدول، فهناك من يطبّقه خصوصاً في منطقة الخليج، إذ يكون ولي الأمر المسؤول المباشر أمام الجهة الرقابية التي تراقب هؤلاء الأولاد، ويُصرف لهم راتب شهري، أما في بعض الدول العربية فإن الحقوق مجرد حبر على ورق!

في ملف البيان المخصص تبرز الكثير من العناوين لعل أبرزها مايلي :

«روز ماري».. ملهمة الأولمبياد

أيمن عبـد الوهاب يكشف الحقائق: الطريق لا يزال طويلاً

وحرصا على تعميم الفائدة ننشر لكم صفحات البيان المخصصة بنظام " بي دي إف  " ولمشاهدتها يكفي الضغط  هنا

Email