المعري ودانتي في معترك الدراسات الأدبية (2 - 2 )

ت + ت - الحجم الطبيعي

المدرسة الألمانية ركزت على المتلقي ودوره في عملية التواصل الأدبي، فقد نقلت كما يقول عبده عبود مركز الاهتمام من إنتاج الأعمال الأدبية وجماليتها إلى تلقي الأعمال الأدبية وجماليتها.

ومن الأعمال الإنسانية التي برز فيها أوجه من التشابه على الرغم من اختلاف الزمان وتباعد المكان «رسالة الغفران للمعري»، و«الكومیدیا الإلهیة لدانتي»، فقد ذهب جمع من النقاد والمحققين العرب والمستشرقين إلى ثبوت تأثر «دانتي» بالمعري لأسباب عدة؛ أهمها: سبْق أبي العلاء بثلاثة قرون، في حين رأى نقاد آخرون أن تأثر دانتي لا يتعدى الفكرة الموحية، ونسق القصة، ونقد الأحوال.

أما بكار فيؤكد وجود شبه من نوع ما. والدارس للعملين يجد أن فكرة الرسالتين تقوم على «البعث والنشور»، و«نعيم الفردوس»، و«شقاء الجحيم»، و«مكافأة المؤمنين» و«مجازات المجرمين».

ونستطيع أن نلخص رسالة المعري وكوميديا دانتي بأنهما رحلة إلى العالم الآخر بلا خوارق ومعجزات، وأن بطل قصة أبي العلاء في رسالته هو «ابن القارح»، إنسان عادي، يخوض رحلته الميتافيزيقية العلوية، يلتقي فيها بفريقين من الشعراء والأدباء؛ فريق من أصحاب الجنة، وفريق من أصحاب السعير، ويلتقي برجال من الجن ورجال من الإنس.

أما دانتي فبطل كوميدياه هو نفسه، دانتي، وتبدأ رحلته في غابة كثيفة كبيرة مظلمة، فيضل الطريق، غير أن الأقدار تسوقه إلى لقاء الشاعر «فيرجيل» الشاعر الروماني الأشهر، صاحب ملحمة الشعر الرومانية «الإلياذة»، فيكون دليله إلى الجنان والنيران.

وجميع شخصيات المعري في رسالته من الشعراء والأدباء والعلماء، كالأخطل، والدؤلي، والأصمعي، والبحتري، وبشار... وغيرهم.

كما ذكر بعض الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وعدداً من الصحابة رضي الله عنهم. أما شخصيات دانتي فهم من سواد الناس، فيهم المتغطرس، والحاسد، والكسول، والبخيل، والمبذر، والجشع، وصاحب الشهوة، فهم أصحاب أمراض قلبية واجتماعية.

وأخيراً، فإن لغة المعري اتسمت بالغموض، والغرابة في المفردات، والتعقيد في التراكيب، فدارسها يحتاج إلى معرفة باللغة، وخبرة بالأساليب العربية، ومُكنة في معرفة المفردات. أما دانتي؛ فامتازت لغته بالسهولة والسلاسة واليسر.

اقرأ أيضاً:

المعري ودانتي في معترك الدراسات الأدبية (1-2)

 
Email