المعري ودانتي في معترك الدراسات الأدبية (1-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدراسات الأدبية المقارنة حديثة نسبياً، غرضها المقارنة بين أدبين أو أكثر، ينتمي كل منهما إلى أمة أو قومية مختلفة، بغية التعرف على مواطن التشابه والاختلاف، والكشف عن تأثير أحدهما في الآخر، فليس ثمة أمة بلا إبداع وابتكار!

فلكل أمة شخصيتها ومنطلقاتها الثقافية والأدبية التي تنطلق منها، وبالمقارنة تتلاقح الأفكار، وتزدهر الآداب، شريطة الاحتفاظ بمعالم الشخصية الأصيلة التي تستمد من الثقافة والدين. ولعل ‌رسالة ‌الغفران للمعري والكوميدية الإلهية لدانتي مجال رحب، وميدان خصب للدراسة والموازنة، والتحليل والمقايسة، ما اتسع لنا هذا المقال.

وفي هذا يقول محمد غنيمي: والأدب المقارن نوع من الدراسات الأدبية، جوهره مقارنات بین آداب قوميات مختلفة،.. والنظر إلى مواطن التأثير والتأثر بينها، لمعرفة الأسباب. وبذلك أصبح الأدب المقارن من أهم علوم الأدب، وصارت دراسته مهمة، وصار علماً من علوم الأدب الحديث.

وقد انبرى لدراسة هذا العلم وتأصيله مدارس عدة امتازت كل منها بطريقة خاصة وفلسفة مختلفة. ولعل أبرز هذه المدارس على الإطلاق المدرسة الفرنسية التي غلب عليها المنهج التاريخي.

حيث تعد فرنسا الموطن الأول للأدب المقارن، وقد ظهر مصطلح الأدب المقارن على يد (آبل فيلمان) عام 1828م. وعلى الرغم من أصالة هذه المدرسة، وظهور فلسفتها، إلا أنها أهملت الجوانب الجمالية والفنية والذوقية.

ثم جاءت المدرسة الأمريكية كرد فعل على المدرسة الفرنسية، ففي الوقت الذي تقوم فيه المدرسة الفرنسية على الصلات التاريخية بين العملين المراد مقارنتهما، فإن المدرسة الأمريكية قامت على رفض هذا الاتجاه، ودعت إلى الإيمان بتعدد الثقافات واحترامها، بل أمعنت في ذلك فانتهت إلى الدعوة إلى التخلي عن المنهج التاريخي. ثم ظهرت المدرسة السلافية بعد إزالة الستار الحديدي في أوروبا الشرقية.

وذلك أن الماركسيين كانوا يظنون أن الأدب المقارن من العلوم البورجوازية التي يجب ألا تمارس في دولة اشتراكية. لذا فإن السلافية كما الماركسية ترى التطور التاريخي محكوم بقانون الصراع الطبقي.

يتبع...

 

 
Email