2 - 2 الأصمعي.. ناقداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

ومن وجوه نقد الأصمعي للشعر قوله: «ابن الصمة من فحول الفرسان، وهو في بعض شعره أشعر من الذبياني، ويكاد يغلبه». قلت: فأعشى باهلة! أمن الفحول؟ قال: نعم، وله مرثية ليس في الدنيا ‌مثلها:

إني أتَتني لسانٌ لا أُسرُّ بها … من عل لا كَذِبٌ فيها ولا سَخَرُ

ومن وجوه نقده، استحسانه قصائد ليست في «الأصمعيات»، مثل كافية زهير، وقوله: «ليس للعرب قصيدة كافية أجود منها».

‌بان ‌الخليطُ ولم يأوُوا لَمنْ تَركُوا … وَزَوَّدُوكَ اشْتِياقاً أيةً سَلَكُوا

وابن الأبرص:

تحاولُ رَسْماً مِن سُلَيمى دَكادِكا خَلاءً تُعَفّيه الرِياحُ سَواهِكا

وإذا كان وجه النقد لا يظهر جلياً في الاختيار والاستحسان، فإن تأليف الكتب يظهره، ولم لا، والمؤلف يعبر عما بخاطره لإثبات نظريته. لذلك ألّف «فحولة الشعراء»، وكنَزَه آراءه النقدية، وأحكامه العلمية، فشكلت منطلقاً للنقاد.

ويعدُ كتابهُ من أقدم الكتب في النقد ودراسة الشعر. قال السِّجزي: سمعتُ الأصمعي يفضل النابغة الذبياني على الجاهليين، وسألته... قبيل موته: من أولُ الفحول؟ قال: النابغة الذبياني.. ثم قال: ما أرى في الدنيا لأحد مثل قول امرئ القيس:

وقاهم جدهم ببني أبيهم … وبالأشقَين ما كان العِقابُ

قال: فلما رآني أكتب كلامه فكر ثم قال: بل أولهم امرؤ القيس، وكلهم أخذوا منه، واتبعوا مذهبه! قال: ‌فما معنى ‌الفحل؟ الأصمعي: من له مزيّة على غيره، كمزيّة الفحل على الحقاق. قال جرير:

وابنُ اللبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ … لم يستَطِع صولَة البُزلِ القناعيسِ

وقد ذكر الأصمعي البيت، ليجعل المعنى المجرد معنىً حسياً، فالبازل هو البعير القوي الذي لا يقدر على مجاراته ابن اللبون.

جعل الفحولة مرتبطة بالشاعرية، فالفحل، هو الشاعر الناضج المكتمل. وترتبط الفحولة بالأغراض التي يتطرق لها الشاعر، وحدد الأصمعي ذلك بقوله «طريق الشعر هو طريق شعر الفحول مثل امرئ القيس وزهير والنابغة، من صفات الديار، والرحل والتشبيب، والخمر، والحروب، فإذا أدخلته في باب الخير لان».

 

لمتابعة المقال الأول:

ـــ الأصمعي.. ناقداً 1 - 2

Email