الأصمعي.. ناقداً 1 - 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعدُّ ‌‌‌الأَصْمَعي (122 - 216 هـ = 740 - 831 م) - عبد الملك بن قُريب- أبو سعيد: راوية العرب، وأحد أئمة العلم، وأوعية اللغة، وحفظة الشعر. كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها. وكان الخليفة الرشيد يسميه «شيطان الشعر». قال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من ‌الأصمعي.

وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم للغة، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظاً. وكان ‌الأصمعي يقول: أحفظُ عشرة آلاف أرجوزة. بمثل هذه الكلمات الموجزة، لخص المترجمون والمؤرخون الأصمعي، ولم يتطرق أحدٌ مهم -حسب علمي- لمسألة النقد عنده علماً بأنها- في رأيي - من أبرز وأهم ميزاته العلمية والأدبية. قال الناقد محمد مندور «النقد المنهجي عند العرب /‏‏ ص 11»، «وأول كتاب ألف في تاريخ النقد الأدبي، هو طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي». قلت: ومع أن الأصمعي سابق لابن سلام في النقد، إلا أنه غفل عن ذكره. ولقد سار على هذا النهج -استبعاد الأصمعي- ثلة من النقاد، غير أن الدكتور إحسان عباس -فيما أعلم- أول من فَطِنَ إلى مكانة الأصمعي النقدية وَسَبْقِهِ في هذا الفن.

قال عباس «تاريخ النقد الأدبي عند العرب /‏‏3»: «حاولتُ في هذه الدراسة أن أقدم صورة عن النقد الأدبي عند العرب منذ أواخر القرن الثاني الهجري حتى القرن الثامن، أو من الفترة الممتدة بين ‌الأصمعي وابن خلدون. وقال في مكان آخر من نفس الكتاب «9»: «.. كان ‌الأصمعي - فيما أعتقد - بداية النقد المنظَّم، لأنه أحس ببعض المفارقة التي أخذت تبدو في أفق الحياة الشعرية..».

وقد ذكر عباس اهتمام الأصمعي ببعض القضايا النقدية، مشفوعة بأمثلتها. قال عباس: «نظر- أي الأصمعي- إلى الشاعر - أياً كان - فوجده أحد اثنين، فهو إما فحل وإما غير فحل، ونظر إلى منبع الشعر، فوجده أيضاً واحداً من اثنين، إما الخير وإما الشر، وليس بسبب تدينه قرن الشعر بالشر، ولكن لأن«الشر» عنده، هو صورة النشاط الدنيوي جملة، والشعر ينبع من ذلك النشاط. لذلك، فإنني في هذا المقال، قصرتُ الحديث على الجانب النقدي من شخصية الأصمعي، منطلقاً من مفهوم أن النقد الأدبي يشمل كثيراً مما امتاز به الأصمعي، مثل رواية الشعر، وصناعة الدواوين، واختيار الشعر في ما يسمى بالأصمعيات، وأقواله، ومواقفه، وما يحكى عنه، وما ينسب إليه من آراء.

وأول ما نبدأ به من نقده الحديث عن كتابه «الأصمعيات». وهو كتاب يشمل اثنتين وتسعين قصيدة، قال البغدادي في«خزانة الأدب 10/‏‏ 104»:«وَهِي قصائد اخْتَارَهَا لهارون الرشيد، فاشتهرت بالأصمعيات». وقال د شوقي ضيف:«تاريخ الأدب العربي: 1/‏‏ 155»، وهى كالمفضليات ثقة ودقة، ورويت عنه -الأصمعي- دواوين كثيرة، أشهرها الدواوين الستة: دواوين امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعنترة وعلقمة بن عبدة الفحل. لذا، فإن الأصمعيات تُعدُّ من المنتخبات، وتأتي أهميته بتجاوزه حدود الديوان الضيق للشاعر، واعتماده تنوع الموضوع وتعدد الشعراء.

Email