«فاشكالتفيت».. إبداعات مستدامة تحتفي بالنخيل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ترتكز فعاليات أسبوع دبي للتصميم في العديد من مساقاتها الفنية على إبراز ماهية الاستدامة في التصميم والفنون، حيث تبحث توجهات المعاصرة التي تكمن في خروج الفنان نفسه عن المألوف عبر استخدام خامات من الطبيعة أو البيئة المحيطة وإعادة تقديم صياغة فنية ذات أبعاد إنسانية ملهمة في إطار العمل البصري الذي يقدم حالة فريدة من الإبداع الجمالي ويضيف للمخزون الثقافي للمنطقة، ينعكس ذلك عبر معرض «فاشكالتفيت» بحي دبي للتصميم، والذي يوثّق تجارب إبداعية إماراتية تحتفي بنخيل التمر، كونها إحدى هبات أرض الإمارات الخيّرة، ولارتباطها الوثيق بنمط حياة الإنسان في المنطقة، حتى أضحت جزءاً من الثقافة والهوية التاريخية في منطقة الخليج.

منسوجات يدوية

جرى تنظيم المعرض بالتعاون بين خلود ثاني وفاطمة المحمود، وتم انتقاء الفنانين المشاركين من الخليج للعمل على تنفيذ الأعمال المشاركة التي تتمحور حول صنع المنسوجات وغيرها، فقام المصممون المشاركون بالبحث حول نخلة التمر بشكل مُكثف ومُتعمق، وتم تحديد المحاور وموازاتها لأفكارهم ودمجها في تصاميمهم المصنوعة يدوياً بشكلها النهائي الموجود في المعرض. وإضافة إلى الأعمال المشاركة، تم التعاون بين القيّمين ومجلس «إرثي للحرف المعاصرة»، على إعداد تقرير بحثي مع الدكتورة ساندرا بيسيك، فكان نتاج هذا البحث دراسات عن خامات حديثة ستصنع من نخيل التمر. وتنعكس الفكرة الرئيسة للمعرض من خلال تصميم المعرض بذاته، والتي حملت بصمات المصممة الداخلية ومصممة المنتوجات علياء الغفلي.

عرض تفاعلي

في السياق، أكدت فاطمة المحمود رئيسة «1971 - مركز للتصاميم»، أن المعرض يعيد استكشاف مواضيع الملاذ والدفء والراحة المتعلقة بنخلة التمر، فجاء تصميم المعرض منسجماً مع المحتوى لإطلاق حوار بين المعروضات ومحيطها وتعزيز تجربة الزائر، وقد تم ذلك عبر نسج هذه القصة في أرجاء المكان وإعادة ابتكار جوهر نخلة التمر. فيطل المشهد الافتتاحي للمعرض بتصميم تتلاعب فيه الألواح القماشية المثقبة مع الضوء لإنتاج ظلال مستقيمة دافئة تحاكي ظل نخلة التمر، وما إن يتشرّب الزائر هذا الدفء، حتى يصبح مستعداً لدخول الحيّز والتفاعل مع المعروضات.

وفيما يتعلق بالتجربة التفاعلية التي يحظى بها زوار أسبوع دبي للتصميم من خلال المعرض، تقول المحمود: «تتمحور تجربة الزائر حول استخدام التدخلات المرئية والملموسة التي توجهه بخفة وسلاسة عبر الحيز، فقد تم ترتيب المعروضات بطريقة استراتيجية تمنع المنافسة البصرية، فتثير التشويق تارة وتحث الجمهور على التأمل تارة أخرى، كما وضعت المعروضات أمام الألواح القماشية شبه الشفافة لإضفاء حس انسيابي يعزّز القصة الضمنية المنسوجة في أرجاء المعرض».

حصاد فكرة

وتعتقد فاطمة المحمود أن المعرض كان حصاد فكرة وذكريات من الماضي، فتقول: «منذ الصغر ونحن محاطون بشجرة حضرت في حدائق منازلنا، وعلى أرصفة الشوارع، وفي ساحات المدارس وكل ناحية من نواحي المدينة. شجرة لها طابع وحضور كان له دور في تكوين ما نحن عليه من أشخاص اليوم. حضور لم يُحصر خارجياً فقط، بل تعدى عتبات المنازل ليكون حاضراً على موائد طعامنا، فهي مصدر حياة لأجدادنا والأساس للنهضة العمرانية القائمة اليوم، وكان لحضورها أثر كبير علينا بنعيمها وخيراتها».

وتضيف: «بدأ بحث تزامني من قبلي وقبل خلود حتى انتهينا بثمانية مصممين، ومن هناك بدأنا العمل مع المصممين وأدركنا أن أكثرهم كان يود أن يسرد قصة شخصية مع هذه الشجرة العظيمة، لم نكن نعلم ما قد ينتج بخطوتنا من تطوير فكرة البحث، حيث أصبحت تطورات البحث أشبه برحلة استكشافية، نظراً إلى أنه لم يسبق لبحث كهذا أن دُرس وطُبق».

نسيج السعف

عن طبيعة الأعمال المطروحة في المعرض تقول المحمود: قدمت المصممة الإماراتية حصة السويدي عملاً تركيبياً مبنياً على فكرة استخدام أحد مفردات نخلة التمر كمأوى، والتي طبقها أجدادنا عبر بناء العريش من سعف النخيل، وجاء العمل بعنوان «أم راشد» ليدمج فكرة الاستلهام من فن العمارة التقليدي وحرفة «السفافة»، ومبنى على هيكل خماسي يضم قطعاً مترابطة من خلال منسوجات قامت بتصميمها تضم طبعات من سعف النخيل ونواة التمر.

وتضيف: من فكرة المأوى إلى فكرة مستوحاة من الأمومة قدمت المصممة الداخلية ومصممة الأزياء الإماراتية أسماء المزروعي، فكرتها المستوحاة من القرآن الكريم تحديداً من سورة مريم من آية 23 إلى 26، والتي تتحدث عن قصة السيدة مريم، عليها السلام، لما جاءها المخاض وأمرها الله سبحانه وتعالى بأن تتمسك بجذع النخلة للتخفيف من آلام الولادة، فكانت النتيجة تصميمها فستان الأم مع غطاء للرأس متناغم مع تصميم الفستان المعاصر مع لمسة من حرف السفافة في صدر الفستان.

خامات بيئية

وتؤكد فاطمة أن المعرض حرص على تقديم أعمال فنانين شغوفين بمنهج الاستدامة، ومن ضمنهم المصممة هلا كيكسو، وهي من أوائل من أنشأ خط أزياء مصنوعاً من القطع المستدامة في الخليج، والتي طرحت في سياق المعرض عملها المسمى «بالم»، وهو عبارة عن معطف منسوج من الحبال لصنع شباك صيد الأسماك وأدوات أخرى في حياة القدامى من سكان المنطقة، وتدخل المعطف أيضاً حرفة تقليدية أخرى هي فن «المكرمية»، والذي يكمن في كيفية ربط أو عقد الحبال فيما بينها، في حين قدم خالد بن مزينة، هو مصمم جرافيكي إماراتي عملاً بعنوان «نخلة الحياة» الذي يأتي احتفاءً بنخلة التمر، كونها زائراً يرافق حياته وعنصراً حيوياً يثري أعماله الفنية، وهو عبارة عن سجادة تدمج الطباعة على القماش مع التطريز، حيث إن السجادة مكونة من نخلة مطرزة رئيسية محاطة بعدد من مطبوعات من شكل النخيل.

Email