«الخيمة الشمالية» ولادة دولة الإمارات لحظات لا تُنسى

قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «لحظات البداية لا تُنسى. تبقى تفاصيلها في ذاكرتك.

وتبقى أحاسيسها عالقة بروحك، وتبقى لذتها ونشوتها وحماستها جزءاً من تكوينك إلى الأبد»، هذه العبارات المؤثرة التي تخاطب أعماق الناس، جاءت في قصة «الخيمة الشمالية» التي تعتبر القصة 20 في كتاب سموه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً» .

والتي سُردت في 5 دقائق ضمن الحلقة 22 من البرنامج الوثائقي الدرامي «قصتي» المستلهم من كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لسموه، فيما يعرض البرنامج على شاشات تلفزيون دبي ومنصاته المتعددة. وخلال القصة، كشف سموه عن أهم اللحظات المحفورة في ذاكرته، حيث يقول: «كل شخص يذكر أول يوم في مدرسته الأولى، ووظيفته الأولى، وأنا أذكر لحظة ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة».

اجتماع تاريخي

وسردت الحلقة ما أضافه سموه في القصة: «استدعاني والدي في العام 1968 على عجل من بريطانيا لاجتماع هام. كلفني بالإعداد والاستعداد لقضاء يوم كامل في الصحراء، كلفني بالإعداد لاجتماع بعيداً عن أعين المتلصصين والمتربصين، بعيداً عن أصحاب النوايا السيئة الذين كانوا لا يحبون فكرة الاتحاد، لا يحبون اجتماع الكلمة. لا يحبون لهذه القبائل المتناثرة والإمارات المتصالحة أن تقوم لها قائمة أو تجمعها دولة».

وأضاف سموه: «كان الاجتماع مع حكيم آخر يحكم أبوظبي من عامين فقط، هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أبي الثاني ومعلمي ومرشدي وقائدي على مدى أربعة عقود كاملة، والذي كان يحمل منذ يومه الأول في حكم أبوظبي في العام 1966 همّ الاتحاد وحلم الدولة الواحدة. كان هدف الاجتماع وضع إطار تأسيسي لاتحاد بين الإمارتين تتبعه بقية الإمارات. كان هدف الاجتماع وضع الجميع أمام الأمر الواقع، اتحاد بين أبوظبي ودبي ودعوة البقية للانضمام لتأسيس دولة الإمارات».

حسن الاختيار

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، واصفاً التحضيرات آنذاك: «كنت قد سبقت الشيخين بنفسي لاختيار المكان. كنت الأكثر معرفة بالصحراء بين أخوتي، وكان والدي واثقاً بحسن اختياري مكان اللقاء، نصبت خيمتين، واحدة للشيخين حيث جعلت موقعها مواجهاً لنسيم الصحراء العليل، وثانية لنا لنجلس فيها. أشعلت النار لطهي الطعام.

وفي قلبي نار من الحماسة والإثارة لمثل هذا اليوم الذي عرفت بأنه سيكون له ما بعده، عرفت أن الكلام الذي نسمعه من سنين طويلة عن تأسيس دولة واحدة سيصبح واقعاً حقيقياً بعد هذا اللقاء. جهزت كل شيء، ووصل الشيخان مع رجلين أو ثلاثة مع كل منهما، ودخلا الخيمة الشمالية منفردين لبدء المناقشات».

وأوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «نعم من الخيمة الشمالية في 18 فبراير 1968 بدأت دولة الإمارات. في الخيمة الشمالية اتفق الشيخان على تأسيس اتحاد ثنائي. في الخيمة الشمالية اتفقا على البنود التالية: علم واحد، نظام صحي واحد، نظام تعليمي واحد، أنظمة إقامة مشتركة.

في الخيمة الشمالية أيضاً حدث شيء لا يحدث في بلاد العرب ولن يحدث لعقود طويلة، حيث تنازعا الرئاسة في تلك الخيمة. طلب زايد أن يكون راشد رئيساً للاتحاد الجديد، وراشد يبتسم ويحرك سبحته بيده ويقول أنت الرئيس. في الخيمة الشمالية دار نقاش حول هذا الموضوع، وشد وجذب حتى وافق زايد أن يكون رئيساً ومد راشد يده له متفقاً وموافقاً مباركاً».

براعم الاتحاد

وعرضت حلقة البرنامج أيضاً قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في القصة: «أذكر ما حدث في الخيمة الشمالية اليوم بعد خمسين عاماً وقلبي يعتصر على دول عربية أضاعت حياة الآلاف من شعوبها، وأهدرت المليارات من ثرواتها، وخسرت من مسيرة تنميتها بسبب القتال حول من يحكم ومن يكون الرئيس».

وأوضح سموه: «نعم نحن مختلفون في الإمارات، وربما لذلك نجحنا. تنجح الدول عندما يأتي قادة تكون أحلام شعوبهم أكبر من أحلامهم الشخصية ومطامعهم الذاتية. تنجح الدول عندما تكون السلطة وسيلة لتحقيق غايات الشعب ولا تكون السلطة هي أهم الغايات وليحترق الشعب».

وأضاف سموه: «قامت دولة الإمارات على أيدي قادة كانت لديهم القدرة على إنكار الذات، وحققت الدولة المعجزات على أيدي هؤلاء القادة، وسيبقى أحد أهم أسرار نجاحنا هذه القيمة التي لا بد أن تستمر في جميع المسؤولين في الدولة حتى تستمر المعجزة، قيمة إنكار الذات لمصلحة البلاد.

لا بد أن نبذل جهوداً كبيرة لترسيخ قيم الاتحاد، قيم زايد وراشد. الإمارات لا يوجد فيها شخص أكبر من الاتحاد، ولا يوجد فيها حلم أعظم من ترسيخ الاتحاد، ولا توجد فيها طموحات لأحد إلا لمصلحة هذا الاتحاد».

إعلان الاتحاد

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: مع نهاية هذا اللقاء التاريخي بين زايد وراشد، تم الإعلان عن الاتحاد بين الإمارتين، وخلال أيام ظهرت ردود فعل مختلفة إزاء اتفاق الاتحاد.

كان الملك الحسين ملك الأردن، من أوائل الذين اتصلوا بوالدي للتهنئة بمشاعر يملؤها الدفء والإعجاب. ورحبت كل من الكويت والمملكة العربية السعودية بالاتفاق، تبع ذلك تهنئة دافئة – إن لم تكن مندهشة – من طرف بريطانيا. ولكن أكثر ما أسعدنا هو التهاني التي تلقيناها من الإمارات الأخرى وقادتها الذين أعربوا عن أمنياتهم بالتوفيق.

وتابع سموه سرد ذكرياته عن ذلك اليوم التاريخي: «كان والدي سعيداً بهذا الإنجاز، إيصال اتحاد الإمارات إلى نقطة اللاعودة. وبدأت علامات الإجهاد والتعب تبدو عليه، قال لي في طريق عودتنا من عرقوب السديرة بعد سكوت طويل: محمد! الاتحاد الوليد بحاجة للحماية من الكثير من أعداء الداخل والخارج. اتفقنا مع الشيخ زايد على إنشاء وحدة اتحادية مسؤولة عن الدفاع والأمن الداخلي. محمد! أريدك أن تكون مسؤولاً عن حماية الاتحاد».

 

 

الأكثر مشاركة