أبوظبي تناقش اليوم تقنياته ومستقبله

النشر الإلكتروني.. حضور متنامٍ في مواجهة التحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

استطاعت وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تظهر التعامل مع جوانب الحياة بشكل مختلف عمّا عرف منذ عقود، أن تطال النشر الذي أصبح بعضه إلكترونياً، يمكن تصفحه عبر شاشات الأجهزة الذكية، ورغم ميزات هذه الطريقة من النشر، إلا أن حضورها على أرض الواقع محفوف بالمحاذير التي يزيد منها رفض كثير من الناس التعامل مع الكتب إلا بشكلها الورقي، إلى جانب تحديات أخرى تواجه الناشر العربي تحديداً، تتجلى بقوانين وصيغ واضحة، لنشر الكتاب بشكله الإلكتروني، واختباره كمنتج يعود على الناشر بالربح أو الخسارة، ورغم ذلك تفرض هذه الوسيلة الإلكترونية وجودها بأكثر من صيغة وهو ما يجعل من المعنيين بالأمر في حالة رصد متجدد لمواكبة هذا المجال بطريقة صحيحة، تهدف في المحصلة إلى نجاحها. عن هذا تحدث عدد من المسؤولين والناشرين والمؤلفين لـ«البيان» عبر التحقيق التالي:

ثروة وطنية

اختارت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي لمنتدى النشر في دورته 2 التي تنعقد اليوم مناقشة «مستقبل النشر الإلكتروني: التقنيات والتحديات - تجارب عالمية»، وحول أهمية هذا الطرح، قال عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي بالإنابة لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: «تأتي أهمية مناقشة مستقبل النشر الإلكتروني من سياسة أبوظبي في استشراف مستقبل المعرفة واستخدامات الذكاء الاصطناعي، وتوظيفها لتطوير البنية الحاضنة للإبداع والابتكار». وأضاف: «لا ينفصل النشر عن تكوين الوعي وذلك بتراكم المعارف ودعم السلوكيات المرتبطة بها من قراءة وكتابة وتأليف وتدريب لتنمية مهارات الإبداع الأدبي والفكري والإنتاج العلمي والمعرفي».

وأردف قائلاً: «لا تغفل الدائرة عن أهمية إسهام النشر في اقتصاد المعرفة، حيث تشكل تخصصات التأليف والنشر والترجمة ثروة وطنية معرفية ومادية في نفس الوقت». وتابع: «تسهم المؤتمرات التخصصية ذات الصلة بالنشر في تطوير صناعة الكتاب والاستثمار في العقول واستقطاب الخبرات». واستطرد: «الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الخطط التنموية وبالذات ما يتعلق ببناء الإنسان».

منصة تفاعلية

وعن اهتمام دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي بصناعة النشر الإلكتروني، قال آل علي: «إنّ النشر الإلكتروني هو منصة النشر الأكثر تفاعلية وصولاً إلى شريحة أكبر من جمهور القراء والمتلقين». وأضاف: «وهي أيضاً منصة داعمة للنشر باستخدام المؤثرات الصوتية والبصرية بشكل إبداعي مبتكر، ولهذا فإننا في الدائرة نوليها أهمية كبيرة وفي نفس الوقت لا نغفل النشر التقليدي الورقي».

وفسر: هما جناحا المعرفة اليوم، ووسيلتا تناقلها وحفظها للأجيال القادمة، وخاصةً أن أبوظبي باتت اليوم منبراً عربياً وعالمياً للنشر والترجمة، وتابع: تلقى إصدارات الكتب عندنا رواجاً في المنطقة العربية نظراً لجودتها العالية من ناحية المضمون والإخراج النهائي، ونلمس ذلك في مختلف مشاركاتنا في معارض الكتب الدولية والمناسبات الثقافية المختلفة.

وأوضح: «نعمل حالياً على تطوير مبادرة «الكتاب المسموع» لتحويل الكتب والمجلدات الثقافية الصادرة عن دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، إلى نسخ رقمية مسموعة يمكن الاستماع إليها عبر الإنترنت، ويتم تحديث قوائم الكتب بشكل دوري، مما يسهم في إيصال المعرفة إلى قراء العربية في أي مكان في العالم، وكذلك جذب شرائح الشباب والناشئة بالتواصل معهم بأسلوب عصري يواكب مستجدات العصر».

 

بين الورقي والإلكتروني

فيما أوضح الشاعر علي الشعالي، صاحب دار «الهدد» للنشر والتوزيع: «ننشر عادة ليستفيد القارئ من المادة، وإذ كان القارئ يفضل القراءة من الشاشات، مع كل تحذيرات أطباء العيون وأطباء العمود الفقري، فلا مانع من النشر الإلكتروني طالما أنه يصل إلى المتلقي». وقال: «النشر الإلكتروني هو مواكبة لمفردات العصر، ولأجل ألا نبقى معزولين عن العالم».

وأوضح: «التوزيع والترويج الإلكتروني، ومنصات التواصل، تُعَرف بالكتب والقائمة المنشورة، فكم من الأشخاص يحضرون إلى معارض الكتب مقارنة بمن يتصفح المواقع الإلكترونية».

وأشار الشعالي إلى أن النشر الإلكتروني، إحدى وسائل وقنوات الوصول إلى القارئ. وأوضح: «مع العلم بأنه يفهم أحياناً على كونه مؤثراً في عملية الإبداع، فهو بعد إتمام النصوص واختيار الصور وبعد تدقيق كل مراحل النشر يمكن بامتلاك هذا الأمر وضع الكتاب بحلة ورقية أو إلكترونية». وتابع: «يبدر للذهن أن النشر الإلكتروني هو غير الورقي، ولكنه ممكن أن يكون مسموعاً أو على شكل قصص متحركة في السرد، أو رسوم متحركة بالكامل، ويحتمل أيضاً أن يكون النص تفاعلياً. ويحيل إلى معاجم، وهنا يكون النص هو الملك». ونوه الشعالي بأن لا مانع لديه من نشر مجموعاته الشعرية بحلة ورقية أو إلكترونية.

وعن تجربة دار «الهدد» قال: «باعتبار أن هدفنا تحويل القراءة إلى عادة يومية عند الأطفال، وقبل النوم مساءً حيث الأهل قد تعبوا من مشاغل يومهم نقدم للصغار قصصاً تتلى عليهم بصوت منخفض ممنهج مضاف إليها مؤثرات بالصوت والصورة، وهو ما يجعله يعاود الاستماع إليها في كل ليلة».

وأوضح: «بعد تسجيل الصوت نقدم المادة على منصات صوتية عدة في مجال النشر الرقمي، ونبيع الكتاب نفسه إلكترونياً، كنتاج لتعاوننا مع «غوغل»». وتابع: فالنشر الإلكتروني أن تعرض كتابك في منصات عدة للوصول إلى الجمهور مثل منصات البيع الإلكترونية، ومنصات الملف الرقمي، ومنصات الملف الصوتي.

 

تحديات

وقالت د. مريم الشناصي، مؤسس دار «الياسمين»: «من وجهة نظري أن النشر الإلكتروني قد يفيد بنشر القصص القصيرة، وبعض الروايات ولكن يفيد بالدرجة الأولى القواميس الطبية والهندسية والبيولوجية والفيزيائية وغيرها، فوجود مثل هذه القواميس إلكترونياً أكثر فائدة، إذ لا نستطيع تطبيق كل أنواع الكتب إلكترونياً». ورأت الشناصي أن هناك مرحلة وسطية قبل النشر الرقمي وهي الشراء الإلكتروني لمعرفة مدى إقبال القارئ على الكتاب، فللآن هناك أشخاص لا يمكن أن يشتروا إلكترونياً بل يفضلون الشراء من المكتبات.

وأشارت إلى أن سياسة دار «الياسمين» ليست في مجال النشر الإلكتروني. وأوضحت: «أحتاج بعضاً من الوقت لاستيعاب الناس للنشر الإلكتروني؛ لأني أبحث هل القارئ يُقبل على الشراء الإلكتروني، وقد قمت بتجربة في الهند، الدولة التي يعيش فيها أكثر من مليار نسمة، أي حتى ولو طرحت كتاباً بدرهم واحد يفترض أن ينجح الكتاب».

وتابعت: «الحقيقة هناك تحديات للاستخدامات الإلكترونية، منها الحقوق المنتهية فبعض الكتب التي لا تمتلك حقوقاً أو انتهت حقوقها، يكفي من القارئ أن يدخل على الرابط الخاص بها وينزلها بطريقة الـ «بي، دي، إف» مثل «صحيح البخاري» وغيره من كتب».

ورأت الشناصي أن التحدي الآخر في الأدوات المناسبة، وقالت: «جربت في الهند وفي بلدان ما وراء النهر، وكان الإقبال ضعيفاً جداً، لعدم توفر الأجهزة عند الناس، ولعدم استخدامهم «الفيزا» التي تحقق لهم عملية الشراء، في حين أن الناس في أمريكا وغيرها من دول العالم تستخدم «الفيزا»». واختتمت كلامها بالتساؤل، «هل هناك مستوى عالٍ من النشر والانتشار في المجال الورقي أو الإلكتروني؟».

 

صيغة إلكترونية

وبدوره، قال الكاتب، جمال الشحي: «تلقيت عدداً من الطلبات من قبل عدد من المؤلفين للنشر الإلكتروني، مع العلم أن عقودنا مع الكاتب في مجالي النشر الورقي والرقمي». وأضاف: «لدينا تجربة كبيرة في مجال النشر الإلكتروني، وخاصة بالنسبة للكتاب من الجيل الجديد، ونمتلك موقعاً إلكترونياً تحت التحديث».

ورأى الشحي أن النشر قد تغير وأوضح: الحقوق محفوظة في النشر الإلكتروني، فالعملية مرتبطة بتطبيقات عدة مثل «غوغل بليه»، وهي بالتأكيد لن تتوفر في الفضاء الإلكتروني ككل. وأوضح: في هذه التطبيقات الكثير من الأمان، كما أن التحويلات المصرفية واضحة، وأفضل صيغة من الورقية. فمع كل عملية تنزيل للكتاب يودع الحساب في رصيد الناشر والكاتب.

وقال: «الذي يحدث في الفترة الأخيرة أن عالمنا انفصل إلى عالمين مختلفين العالم الرقمي وله متابعيه والورقي وله متابعيه أيضاً، وأعتقد أن الرقمي أضاف للناشر وسوف يتواصل النشر في الورقي والرقمي الذي سيتطور بتطور التكنولوجيا المتبعة فالمسألة مسألة وقت».

وعن التحديات قال: «هناك جمهور واسع يفضل الورقي فوسائل التكنولوجيا الحديثة ليست برخيصة، وتتطلب متابعة مستمرة، وثقافة الناس بالنسبة للنشر الرقمي وثقافة الكتاب ما زالت قليلة».

 

مكانة الكتاب الورقي

من جهة أخرى، قد لا يفضل الكاتب النشر الإلكتروني فقط، إذ قالت الأديبة، أسماء الزرعوني: «أنا ما زلت مع الكتاب الورقي 100% فالكتب الورقية توفر الحميمية، والراحة في القراءة». وفسرت: «قد يتعرض من يقرؤون الكتب الإلكترونية إلى مشكلات عدة مثل انتهاء الشحن وصعوبة العودة إلى الصفحات الأولى خاصة في كتاب يصل عدد صفحاته إلى 700 صفحة، إضافة إلى ما ينتج من مضار النظر الطويل إلى الشاشات». وأضافت: «الأمر الأهم قد يحدث أن تتعطل هذه الوسائل الإلكترونية فجأة، فمرات عدة كنا في المطار وتعطل النظام الإلكتروني.

وهذا ما يمكن أن يحدث عند قراءة الكتب الإلكترونية. أن يتعطل نظاماً ما أو أن يصاب الجهاز بفيروس يفقد من خلاله الكتاب الإلكتروني». وتابعت: «لكن الكتاب المطبوع يبقى موجوداً دون هذه المشكلات، وما زال الناس إلى الآن تتفاعل مع الكتب المعروضة في المكتبات أكثر من تلك المعروضة إلكترونياً»، ورأت: «بأنه يمكن للصحف أو المجلات أن تتحول إلى مواقع إلكترونية لكن العلاقة مع الكتاب وتصفح أوراقه ما زالت حميمية».

وواستدركت الزرعوني بالقول: «يمكن بالكتاب الورقي الحفاظ على تسلسل الصفحات الذي يتشتت بالتصفح الإلكتروني ويضيع مكان آخر صفحة تمت قراءتها». وأضافت: «بعكس الكتاب الورقي الذي يوفر بسهولة وضع فاصل لمتابعة القراءة لاحقاً عند التوقف لأي سبب من الأسباب. وشددت الأديبة الإماراتية على مكانة الورقي على أرض الواقع، وإمكانية إصدار طبعة أولى وثانية منه».

تعاون عالمي

قال عبدالله ماجد آل علي: «وقعت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي أخيراً، 3 اتفاقيات تعاون مع 3 شركات عالمية لتوفير كتبها على أبرز 3 مواقع مرموقة، هي «أمازون، وكوبو وآي بوك، وجهاز كيندل القارئ»»، وتابع آل علي : «إلى جانب الموسوعة الشعرية التي نشرف عليها ونحدثها بشكل دائم، تلاقي هذه المشاريع تفاعلاً وانتشاراً كبيرين، وخصوصاً بين الناشئة والجيل الجديد الأكثر استخداماً وفهماً للتكنولوجيا الحديثة واستخدامات الأجهزة الذكية».

Email