مليون ونصف شاهدوا فيلمه القصير

عمار بوقس: المعاق مخزون إبداعي ومكسب وطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

أين تكمن الإعاقة، بين الوعي والإدراك، بين الفيلم والواقع، بين الماضي والمستقبل، بين الانفتاح والانغلاق، بين العلم والجهل، بين المنهج والعشوائية، بين الحق والواجب، بين الوطن والغربة، بيننا وبين المسؤولية المجتمعية والحق الإنساني في الحياة؟ هل ستختارون إحداها أم تؤمنون بأن جميعها سيناريو استطاع سرد قصص إنجازات الإعاقة للعديد من ذوي الاحتياجات الخاصة؟ تعتبر الإعاقة الجسدية بأصنافها المختلفة جزءاً من المعادلات الطبيعية في الكون، والتعايش معها، يحتاج إلى تجهيز متكامل تتبناه المجتمعات في مؤسساتها العامة والخاصة.

قضية المعاقين والصعوبات التي يواجهونها في ظل قلة الوعي المجتمعي، انطلقت وبأعلى صوت من جديد، عبر فيلم قصير بعنوان "عمار " للمخرج السعودي بدر الحمود، محدثاً دوياً، سمعه وشاهده ما يقارب المليون ونصف المليون مشاهد في أول يوم من عرضه عبر اليوتيوب، دعماً لوقفة بطل الفيلم عمار بوقس أمام إصابته بمرض نادر جداً وهو "فيردنج هوفمان"، الذي سبب شللاً كلياً لعمار، ماعدا اللسان والعينين، محققاً انطلاقة استثنائية في ظل المعوقات، على المستوى التعليمي والمهني وأعماله الإعلامية والمجتمعية.

لفت عمار في حواره مع ( البيان ) أن الفيلم حمل رسالته الأسمى وهدفه الأكبر المتمثل في تصحيح نظرة المجتمع العربي والخليجي اتجاه الشخص المعاق، وتأكيد أنه يملك الإمكانيات الكاملة للتعبيرعن انسانيته وتفكيره ومشاركته المجتمعية، بينما يقيد تحديد المعاق بالإمكانيات الجسدية حريته وحياته، ووينتهك الأخلاقيات الانسانية، المتفق عليها في جميع الأديان والأعراف والاتفاقيات الدولية.

نظرة مجتمعية

بين عمار أنه عاش كأي إنسان طبيعي، حيث بدأ دراسته في الولايات المتحدة الأميركية إلى الصف الثالث في مدارس عادية، غير مخصصة للمعاقين، وبمجرد وصولة إلى السعودية، لم تقبله أي مدرسة، بل على العكس، اقترحوا انضمامه إلى مدارس المتخلفين عقلياً، إلا أنه أكمل بعدها تعليمه بنظام الانتساب، وكان من أوائل المتفوقين في المدرسة والأول على الدفعة في الجامعة. ويعمل حالياً صحفياً رياضياً، ومعد ومقدم برامج عرضت على أكثر من 13 قناة تلفزيونية. ولفت عمار إلى أنه متابع جيد للصحف الإماراتية، ويود فعلاً العمل معهم، في مقالات نوعية في المجال المجتمعي، وخاصة ما يدعم رسالته في تصحيح النظرة المجتمعية للمعاقين.

قاهر المستحيل

في قراءته لمشهد التفاعلات للفيلم بعد تنزيله على اليوتيوب، قال عمار:" نفتقد في المجتمعات العربية والخليجية لثقافة التوعية وفن التعبير عنها، ولبيان أن الإعاقة الحقيقية مرتبطة بالعقل فقط، وليست بالجسم"، مضيفا" أننا نمتلك مواد مادية وعلمية ومعنوية، لكننا لا نستثمرها في توفير موارد التوعية، فمجتمعنا لا يزال متأخراً في تعزيز ثقافة التعامل مع المعاق، وتجاوز مرحله اعتباره عبئاً، بل مخزونا بشرياً ومكسباً وطنياً، يحتاج إلى منظومة محيطة محفزة، كباقي الأشخاص السليمين جسدياً، لتمكينه من الإبداع والإنتاج". وسيصدر لعمار في بداية الشهر المقبل كتاب بعنوان " قاهر المستحيل "، يسرد فيه قصص نجاحات حياته وتحدياته في جميع المستويات، موثقاً بها رسالة إنسانية للعالم أجمع.

مسؤولية

في الجانب التقني والإعداد للفيلم، قال مخرج العمل بدر الحمود، إن الانتشار هو الهدف الذي يقف وراء تحميل الفيلم على موقع اليوتيوب، متجنباً فكرة حقوق النشر عبر الانترنت، الأمر الذي يدفع أصحاب الأفلام أحيانا إلى عدم المشاركة في بعض المهرجانات أو الاحتفاءات بالعروض الأولى فيها، منوهاً إلى أن القضية إنسانية، ولا يطمح من ورائها إلى ربح تجاري أو مشاركة معينة، بل يتمنى عرضها في مختلف المؤسسات المجتمعية والعامة، إيماناً منه بأن العمل ينبه الإعلام التقليدي إلى أهمية تفاعله مع رسالة هذه الأفلام، أولاً ، لأنها تتحمل جانباً من المسؤولية الإعلامية والاجتماعية في المجال، وثانياً ، لأن ذلك سيحقق نسب مشاهدة عالية بين مختلف شرائح المجتمع.

وصف الحمود فيلم " عمار" بأنه " فيلم وثائقي بصورة شعرية، في الحقيقة كنت متخوفاً أثناء إخراج العمل لما يحمل مسؤولية كبيرة، لشريحة لها حساً إنسانياً رهيفاً، وفعلياً، أوصلت جزءاً من شعوري تجاه القضية وليس كلها، وأود التأكيد أن النص في الفيلم، غير مكتوب، بل هو كلام ارتجالي، وبقلب صادق انطلق به عمار بو قس دون توقف".

إرادة الحياة

 

5 دقائق فقط اختزلت 26 سنة مع الإعاقة الجسدية حافلة بتفوق عقلي مذهل وبإصرار على المتابعة، تشهدها في الفيلم منذ البداية، عندما يأتي الطبيب يعمل في أحد مشافي ماديسون الأميركية عام 1986، ويخبر والدي عمار أن الفحوصات، أظهرت إصابته بمرض نادر، وأنه لن يعيش بعدها إلا سنتين فقط، بينما يقول عمار في الفيلم: " حصل هذا المشهد قبل 26 سنة، عندما كان عمري شهرين، الحمدلله ، كلام الطبيب لم يكن دقيقاً، زي ما انتو شايفين عشت أكثر من سنتين".

Email