صناعة الخطر مهنته.. النسيان مصيره.. هذا هو حال "الدوبلير" بديل الفنان النجم في مشاهد العنف أو القفز من المرتفعات أو ركوب الخيل أو تصادم السيارات.. فهو الجندي المجهول الذي يدفع حياته أو يتعرض إلى حادث دون مقابل مادي يتناسب وحجم المخاطرة التي يقوم بها، فضلاً عن تجاهل كاميرات الإعلام وأقلام الصحافيين له لصالح النجوم في العمل.

 ويخلط البعض بين مهنة الدوبلير ومهنة الكومبارس، على الرغم من اختلاف طبيعة عمل كل منهما، فالأول الدوبلير يقدم المشاهد الصعبة التي يعجز الممثلون عن أدائها بأنفسهم وهي كلمة تعني بالإنجليزية "دوبليكيت" أي نسخة طبق الأصل، ويتم اختياره بحيث يكون مشابهًا للممثل الأصلي في هيئته، بينما الكومبارس ممثل ثانوي، يقدم دورًا صغيرًا في العمل ولا يتعرّض لأي مخاطر.

نصف ساعة زواج

وسلّطت السينما المصرية الضوء على حجم معاناة العاملين في مهنة الدوبلير، عبر مشهد كوميدي في فيلم "إسماعيل ياسين في الطيران"، حيث عانى ياسين من مشهد صفعه بالقلم مرات عديدة لينزلق على السلالم بديلاً للبطل الحقيقي بناءً على رغبة المخرج الذي أعاد المشهد مرات حتى يكون مقنعًا للمشاهدين.

أيضًا عبر الفنان عادل إمام في بدايته عن معاناة مهنة الدوبلير بشكل كوميدي، وذلك في فيلم "نصف ساعة زواج"، حيث ظل إمام يعيد مشاهد الضرب والغرق بناء على رغبة المخرج، حتى كاد يغشى عليه.

وإذا كان إسماعيل ياسين وعادل إمام عبرا عن هذه المهنة بشكل كوميدي، إلا أنه في الواقع كانت المأساة أكبر، حيث شهدت هذه المهنة الكثير من الحوادث للعاملين بها، فهناك من مات محترقًا وهو مصطفى العسكري في مشهد إلقاء زجاجة بنزين في محل فيديو بفيلم "دم الغزال"، وكذلك تعرض الدوبلير طاهر أبو سعدة للصمم بإحدى أذنيه لصوت المفرقعة الشديد في فيلم "أصحاب ولا بيزنس" وفي فيلم "غاوي حب" تعرض الدوبلير سيد حسين لكسر في رقبته أثناء مشهد مطاردة.

ومع ذلك يحظى عالم الدوبليرات بأسماء باتت معروفة، فمن الرجال ظهر مصطفى المعاون، ومصطفى الطوخي وأحمد بعرة، وميشو، وهجرس. أما السيدات فكانت فنانات السيرك هن الأكثر عملاً كدوبليرات نتيجة اللياقة البدنية مثل لويز أحكيم مروضة الثعابين وكانت بديلة لنبيلة عبيد في فيلم السيرك، وكذلك إحسان عبد اللطيف في مشاهد العنف الجسدي في أفلام ليلى علوي، كما دخلت الروسيات المهنة حديثا؛ نظرًا إلى تمتعهن بالقوام الرياضي وإجادة فنون القتال والمطاردات مقارنة بالمصريات.

عرض وطلب

المخرج محمد كامل القليوبي، أشار إلى أن مهنة الدوبلير مرتبطة بالعرض والطلب، حيث إن طبيعة الشعب العربي قديما لم تكن تميل إلى أفلام العنف، وكان المتعارف عليه أن فناني السيرك هم من يقوموا بمهنة الدوبلير، على غرار مدرب الأسود محمد الحلو الذي كان يظهر بديلاً لفريد شوقي لسنوات طويلة لقربه منه في الحجم والشكل.

إلا أنه في السنوات الأخيرة ونظرًا إلى تزايد الإقبال نوعًا ما من قبل الشباب على تلك النوعية من الأفلام، بدأ صناع السينما في اللجوء إلى محترفين من جنوب أفريقيا ولبنان خاصة أن مصر ليس بها دوبليرات مدربون. ويرفض القليوبي فكرة قيام النجم بتصوير تلك المشاهد بنفسه مثل أحمد السقا وقديمًا رشدي أباظة والراحل أحمد زكي، قائلاً إنه في حالة إصابة النجم يتم إيقاف التصوير وتفضيله .

مهنة

 

أوضحت الناقدة الفنية ماجدة موريس، أن مهنة الدوبلير بدأت في مصر على يد مصطفى الطوخي أشهر الدوبليرات الذي كان يحاكي السينما العالمية في مشاهد المعارك، إلا أن التقنيات الحديثة المستخدمة في الأفلام المعاصرة، أصبحت لا تتواكب مع الإمكانيات الفردية لأصحاب تلك المهنة الذي يعتمدون على أنفسهم وخبراتهم الذاتية ومحاكتهم للسينما العالمية دون دراسة منهجية.