الوجه المتغير لقطاع الطاقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ضوء التوجه العالمي نحو بناء الاقتصادات منخفضة الكربون والاعتماد على الموارد المتجددة، فإننا نشهد تحولاً ملموساً في الخطاب الاجتماعي والسياسي.

فعلى امتداد سلسلة القيمة، أدت التطورات والالتزامات الوطنية والسياسية إلى إحداث تغييرات جوهرية في أسلوب مقاربتنا للموارد الطبيعية وكيفية استهلاكنا لها.


وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، يجلس الملايين بكل راحة في سياراتهم ويتناولون القهوة أثناء التزود بالوقود، فالتميز هو المعيار الرئيسي للخدمات هنا. لكن، وراء الكواليس، تتطور عمليات المعالجة والتوزيع بوتيرة متسارعة في هذا القطاع الذي يزداد تعقيداً وتنظيماً وتطلباً يوماً بعد يوم. وتأتي هذه المتطلبات في الوقت نفسه الذي تزداد فيه الحاجة إلى ضمان أمن الطاقة الوطني على المدى الطويل.


وفي الولايات المتحدة الأميركية، يتحرك صناع القرار بسرعة بعد اكتشاف رواسب ضخمة للصخر النفطي مقدمين التراخيص اللازمة لبدء الإنتاج التجاري للغاز الصخري، ما يجعل من الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي تعمل في هذا المجال حالياً. ولا شك بأن الاكتشافات التقنية الحديثة قد مكنت شركات التنقيب والإنتاج الأميركية من تحقيق قفزات استثنائية في مجال عملها، فثورة الصخر النفطي تعني تحقيق الكفاءة الذاتية لمئة عام، وفقاً لوزارة الطاقة الأميركية.

ومن جهة أخرى، فإن حجم الانبعاثات الناجمة عن الغاز تعادل نصف انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون الناتجة عن الفحم. وبالنسبة لدول الخليج الغنية بالنفط، فإن المشهد الاقتصادي مختلف تماماً، إلا أن التحديات تبقى متشابهة.


ويكمن التحدي أمام دول الخليج اليوم في تحقيق أمن الطاقة، بالتزامن مع الحفاظ على زخم النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل للشريحة المتنامية من الشباب. ومع ذلك، فإنه من المهم تحقيق هذه الأهداف في الوقت نفسه الذي تسعى فيه المنطقة إلى بناء اقتصادٍ متنوع، وهو ما دفع بصناع القرار في الدولة إلى جعل دولة الإمارات إحدى أكثر المستثمرين في قطاع الطاقة النظيفة تقدماً على المستوى العالمي.

واستثمرت شركات النفط الوطنية أيضاً في تقنيات جديدة مبتكرة لتكرير ومعالجة وتوزيع منتجات الطاقة لمواكبة الإيقاع التنموي المتسارع للمدن الإماراتية. وفي حين تبقى تجربة التزود بالوقود بالنسبة لملايين العملاء مثالية، فإن شركات النفط الوطنية تواصل تطوير أسلوب عملياتها.


ويجب أن تولي شركات النفط الوطنية أولوية قصوى لإدارة الطلب لضمان نجاح الخطط الهادفة إلى التركيز على الاستخدام المستدام لموارد الطاقة. ويجب أن تركز هذه الاستراتيجية أيضاً على كفاءة الطاقة وحسن إدارة الموارد مما يسمح للشركات بتطوير طرق جديدة لخفض الطلب على الطاقة وبالتالي الحد من البصمة الكربونية.


ويمكن أيضاً تطبيق مبادرات أخرى لكفاءة الطاقة تتضمن استخدام المواد المضافة في البنزين الخالي من الرصاص الذي يسمح باحتراق أنظف ويخفض من الانبعاثات. ومثال ذلك قيام مجموعة «اينوك» بمعالجة المواد المضافة في منشأة معالجة ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر (MTBE) المملوكة بالكامل للمجموعة والتي توفر إمدادات اقتصادية ومستمرة من المواد الأولية لمصفاة المجموعة في جبل علي (أول مصفاة يتم تأسيسها في دبي، عام 1999).

ويجري العمل حالياً على تنفيذ مشروع توسعة المصفاة بنسبة 50 بالمئة، عبر استثمار تقدَّر قيمته بنحو مليار دولار، لرفد السوق المحلية بمنتجات ستكون متوافقة مع معايير الانبعاثات الأوروبية (يورو 5).


وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، يجب أن تكون الاستثمارات في عمليات المعالجة الأكثر نظافة وكفاءةً متوافقة مع الحاجة لتلبية الطلب المتزايد عبر سلسلة القيمة، بما يشمل وقود الطائرات. وتعتمد التجارة العالمية وقطاع السياحة الذي تبلغ قيمته مليار دولار في دبي على تزويد موارد وقود نظيفة وموثوقة للطائرات من قبل شركات النفط الوطنية والموردين الآخرين.


ومن الواضح أن أمر الطاقة يعتبر عنصراً جوهرياً لكل جوانب النشاط الاقتصادي تقريباً. ومن هنا، تبرز أهمية استثمار شركات النفط الكبرى ومزودي الوقود في مشاريع البنية التحتية للمساهمة بدور فعال في دعم مسيرة النمو الوطنية. وعلى المدى الطويل، فإن استقلال الطاقة بالاعتماد على الوسائل المستدامة سيكون منطلقاً رئيسياً نحو تنويع مصادر الطاقة وتعزيز البنية التحتية.


وتقوم الاستراتيجية الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة على ثلاثة محاور تهدف إلى تخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري والحد من الانبعاثات الكربونية وتعزيز استخدام الموارد البديلة للطاقة إضافة إلى تعزيز الأمن على المستويين الوطني والإقليمي. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف الترويج للاستراتيجيات البيئية بين جميع المعنيين، بما في ذلك العملاء، عبر التركيز على الحد من النفايات ومبادرات إعادة الاستخدام للحفاظ على الموارد وترسيخ ثقافة المسؤولية والعمل البيئي الفعال.


وختاماً، فإن رسم ملامح المستقبل المستدام الداعم للطموحات الاقتصادية والشخصية، إضافة إلى ضمان أمن الطاقة لأجيال المستقبل، هو مسؤولية تقع على عاتق حكومات العالم والشركات الصناعية على حد سواء. ويكمن التحدي الرئيسي اليوم في تحقيق هذه الأهداف باستخدام تقنيات منخفضة الكربون.

وعلى الرغم من هذه التحديات الكبيرة، يمكننا اليوم اتخاذ تدابير عملية متاحة فعلياً، مثل الاستثمار في التقنيات المتطورة، ووضع تشريعات متكاملة لكفاءة الطاقة، وتوسعة نطاق استخدام المركبات النظيفة. وتزداد اليوم أهمية التعاون بين القطاعات الصناعية والهيئات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية لتحقيق أهداف الأجندة الوطنية وضمان مستقبل آمن ومزدهر للأجيال القادمة.

* الرئيس التنفيذي لمجموعة «إينوك»


 

Email