ليبيا والحل الداخلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليبيا اليوم مرتع خصب للفوضى، فهي دولة بلا حكومة وبلا شرطة تفرض الأمن والاستقرار، فلا يكاد يمر يوم دون أن تسجل البلاد اشتباكات أو تفجيرات، أو هجمات على المؤسسات، حيث أصبحت الميليشيات تصول وتجول في البلاد دون حسيب أو رقيب، بعد أن باتت مهمة بسط سلطة الدولة الليبية أكثر صعوبة وأبعد منالاً من أي وقت مضى.

ولم تتمكن أي حكومة ليبية حتى الآن من القضاء على هذه المجموعات المسلحة، لذلك تحولت إلى هاجس إقليمي ودولي، قياساً بكم السلاح المتوافر والميلشيات القائمة، دون أن ننسى التفتّت الذي أصاب طبقة سياسيّة بكاملها، سقطت رهينة للميلشيات المتقاطعة.

التدخل الأممي في ليبيا باتت تفرضه عوامل إنسانية ومسؤولية أخلاقية للمجتمع الدولي، حيث أجبرت المعارك 50 ألف شخص على النزوح من العاصمة وحدها والآلاف من بنغازي، غير أنه وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لليبيا وللموارد النفطية التي تزخر بها، يبدو أن التحمس للتدخل بالصورة التي بدت على الميدان أخيراً، ينطوي على عوامل مصلحية أكثر منها لتحقيق السلم والأمن الدوليين وحماية الشعب الليبي.

لذلك فقد وجهت دول الجوار المهددة بالعنف عبر حدودها، رسالة قوية إلى المجتمع الدولي في اجتماعها الأخير، بتأكيد أن التدخل مرفوض وأن الرهان يجب أن يكون على حل داخلي يحقق الأمن والسلام في المنطقة.

وقد حان الوقت لمبادرة حقيقية يكون هدفها لم الشمل وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والحزبية والجهوية، وضرورة احترام المؤسسات الوطنية، ومشاركة الجميع في بناء الدولة الليبية، وعدم السماح لأي جهة بفرض نفسها عن طريق القوة، لأنّ ذلك سوف يدخل البلاد في أتون صراع مدمر.

ويحتاج هذا البلد ليمضي قدماً في عملية التحوّل الديمقراطي، إلى بناء مؤسّسات أمنية شاملة وشفافة وخاضعة للمساءلة، ويتطلّب ذلك فهماً دقيقاً للجذور السياسية للمشكلات الأمنية في البلاد، وخريطة طريق فعّالة لتنظيم قطاع الأمن مفكّك الأوصال، وإضفاء الطابع الرسمي عليه، بدمج عناصر الميليشيات كأفراد لا كوحدات.. عندئذٍ فقط تستطيع القوى الخارجية المساعدة في تدريب قوات الأمن الجديدة وتجهيزها.

Email