إسرائيل واغتيال التهدئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل من تابع مفاوضات القاهرة بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني برعاية مصر، يدرك أن إسرائيل لا تستطيع أن تكون إلا ذاتها، ولا يمكنها الخروج من عباءتها وكسر أيديولوجيتها القائمة على العنصرية والإرهاب والتعالي وسحق الآخر، كما أن الخداع جزء أصيل في تكوينها، وهو فعلاً (الخداع) منصوص عليه في نصائح مؤسسها ثيودور هيرتزل.

إسرائيل بمستوياتها السياسية والأمنية والإعلامية، ساهمت في إظهار المفاوضات مع الوفد الفلسطيني في القاهرة على أنها تسير «على ما يرام»، وسرّبت الكثير من البرقيات الخبرية على أن اتفاقاً وشيكاً سيتم التوصّل إليه قبل نهاية الأيام الخمسة للهدنة.

من الواضح أنها أبدت خلال التفاوض نوعاً من المواقف التي أوحت للمفاوض الفلسطيني بأنها تبدي «مرونة»، لكنّها على حين غرّة أعلنت دفعة واحدة أن صواريخ أطلقت من غزة، وأن بنيامين نتانياهو أمر بسحب الوفد من القاهرة.

وفي بعض المناسبات يكون من إيجابيات ضيق الوقت أنه لا يمنح المخادعين فرصة كافية لممارسة هوايتهم، وهذا ما حصل مع إسرائيل، إذ أن محاولة اغتيالها للقائد العسكري لكتائب القسام محمد الضيف، بعد سويعات من إعلانها سحب وفدها من القاهرة متذرّعة بإطلاقٍ (لم يتبنّه أحد) لصواريخ من غزة، كشف عن خطّة مبيّتة لاغتيال مفاوضات التهدئة لمواصلة تصفية غزة، وللتهرب من استحقاقات الحد الأدنى لهدنة مقبولة فلسطينياً.

وفي سياق إخراج خبيث لعدوانها الأخير على غزة، صبّت كل جهدها، سياسياً وإعلامياً وتفاوضياً، لتصوير ما تقوم به باعتباره حرباً مع حركة «حماس»، متجاهلة حقائق ومعطيات موثّقة دولياً، مفادها أن أكثر من ثلثي الشهداء والجرحى في غزة من الأطفال والنساء، فيما الأغلبية الساحقة مدنيون.

إسرائيل تتجاهل عن قصد أيضاً، أن الفلسطينيين قيادة وفصائل وشعباً، موحّدون ومتفقون خلف مطالب المقاومة، وأن رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض ينتمي إلى حركة فتح، وهو حمّل إسرائيل المسؤولية عن إفشال مفاوضات التهدئة، سواء من خلال مراوغاتها وتعنّتها في المفاوضات، أو عبر التصعيد المنفلت من عقاله، والذي وضح أنه محاولة مفضوحة ومكشوفة لاغتيال أي أمل بالتهدئة.

Email