ذات باطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عالم أصبحت الغالبية فيه تعتني بالجمال الخارجي وتعتبره جواز عبور لكثير من الغايات، ومعياراً تبنى عليه المعتقدات والظنون حول سمات أي شخص، بعد أن كان نسبياً ولا يحوز أكثر من حقه المشروط، بل حتى إن مفهوم الجمال لم يعد ذاك المألوف والمتعارف عليه، والذي يجمع عناصر وميزات مختلفة في شخصية الفرد ليعطي مفهوماً شاملاً للجمال، بل صار ينحصر في صورة الوجه وتقاسيم الجسد.

المحتوى الثقافي الذي يعتبر معياراً أساسياً في مسابقات تقييم الجمال في دول تؤمن به بشكل لا يحجمه ولا يبالغ فيه، لم يعد قائماً، ولكن حين تشهد حاضراً يعيش فيه أناس بوجوه ليست وجوههم وأجساد خضعت لمشارط التجميل لأجل أن ترضي مرآتها أو البشر، ولكي يضرب فيها المثل في الجمال الخارجي الذي هو أيضاً ينتابه نصيب من الكبر، حيث وصفه الفيلسوف جورج برنارد شو بأنه طغيان قصير العمر وقابل للكسر، فتضطر لأن تقف وتحاور الذات المندهشة عن دوافع إقبالهم للخضوع لمشرط الجراحة نزولاً عند رغباتهم في الحصول على الشكل الجمالي لهم حسب اعتقادهم.

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن صورة وميزه عن كل المخلوقات، ليأتي الإنسان ويتمرد على هذا الجمال الرباني الطبيعي ويدخل آلاته من مشارط وغيرها ليحصل على الشكل الذي يريده، والذي غالباً ما يكون شخصية مشهورة وضعها نصب عينيه لاهثاً وراء نزعاته في محاكاتها وتقليدها، وقد يكون نقص وازع ديني وقلة ثقة بذاته جعلته يرى من تغيير شكله حلاً لترهلات أوضاعه، متناسياً أن التغيير لا يكون كذلك إلا إذا انطلق من الداخل ليندفع للخارج، حيث قال جل وتعالى في محكم آياته: «إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».

يكفي أن تبدأ بتجميل ذاتك الباطنية لترى روعة الوجود الخارجي وسحره بما فيه انعكاس ذلك على رؤيتك لذاتك، فالجمال مرتبط بالشعور الإيجابي والتوازن والانسجام والتناغم مع الطبيعة التي تغنى بها الشاعر نزار قباني حين قال: «جمعت الطبيعة عبقريتها فكان الجمال».

Email