سوريا والتحوّل الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا هذا التحوّل الأميركي بشأن الأزمة السورية؟ سؤال يشغل فكر المحللين العرب، في حين لم يتوقّف غيرهم عنده كثيراً. ينسى بعض المحلّلين العرب أنه لا يجوز إسقاط موروثهم الفكري وآليات تفكيرهم المعلّب على الآخرين. جون كيري لا يفكّر بطريقتهم، بل يجري عملية تحديث للمعالجات على ضوء مراجعة مجريات الواقع وموازين القوى، ويشتق مواقفه على ضوء هذه المراجعة.

القوى الغربية لا تفكّر بمصالح غيرها، حتى حلفائها، إلا إذا كان تحقيق هذه المصالح يخدم مصالحها هي. وعندما يكون ميدان الصراع قريباً من «إسرائيل» أو لها علاقة به، فإن المواقف تأخذ بالاعتبار مصالح إسرائيل، ولا تلقي بالاً لمصالح مضمونة مثل «شيك على بياض».

من يتابع مواقف الإدارة الأميركية يرى أنها منذ فترة ليست قصيرة أسقطت، تقريباً، مقولة رحيل النظام من خطابها السياسي، وإن أبقت على التلويح بوسائل الضغط من خلال التلويح بتسليح المعارضة «المعتدلة»، مرة بأسلحة «غير قاتلة» ومرات بأسلحة قاتلة، رغم تأكيد الكثير من المحللين في الغرب أن هذا الأسلوب لا يغيّر موازين القوى على الأرض التي تشي كل يوم بتغيّر جذري وملموس لصالح النظام.

منذ حسم معركة القصير لصالح النظام وحلفائه بات الغرب يعطي تقييماً مختلفاً للمشهد السوري، وجاءت معارك الحسم في القلمون لتزيد الصورة وضوحاً أكثر، ثم تلتها معارك القنيطرة وشمال حلب في منطقة يعتبرها محلّلون عسكريون آخر معاقل قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة مثل حركة «حزم» التي تلقّت ضربات قاسمة من جانب تنظيم داعش أيضاً.

في مطلق الأحوال، ومهما تغيّرت مجريات الأرض لصالح هذا الطرف أو ذاك، يبقى الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة السورية. هذا الحل يتطلّب شجاعة وإرادة سياسية لدى المقتنعين بهذا الحل والمطالبين بأن يتغلّبوا على المعرقلين لديهما، مع الأخذ بالاعتبار أن مصلحة البلد ومستقبل أبنائه أهم من السلطة وأهم من مكتسبات السلك المعارض فئوياً.

واضح أن بعض الرافضين للحل السياسي يستفيدون من استطالة الأزمة التي باتت بالنسبة لهم بمثابة «بزنس». وما هو أشد وضوحاً أنه آن الأوان للتفكير في مصير ملايين السوريين المشرّدين في البلاد القريبة والبعيدة، أقصد من لم يلق حتفه بسبب البرد أو استقر به المطاف في بطن حوت أو بين أنياب سمكة قرش في هجرة الهروب.

Email