معالي الشهيد أبو عين

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان من الممكن للشبل زياد أبو عين أن يستشهد في تظاهرة مدرسية وبيده حجر مثل ياسر أبو غوش أحد شهداء الانتفاضة الأولى.. كان من الممكن أن ينتقم الاحتلال منه صبياً كما انتقم من فارس عودة الذي أظهر «الميركافاه» وكأنها ذبابة أمامه. كان من الممكن للشاب أبو عين أن يستشهد مضرباً عن الطعام في سجون أميركا التي آثرت تسليمه لتمنح حليفتها «نيشان» الاغتيال.

لو استشهد أبو عين بقنبلة زرعها، كما يتّهمه الاحتلال، في طبريا، لما أتيحت له فرصة حرف أنظار العالم باتجاه القضية الفلسطينية من خلال نضاله في سجون أميركا حين طالبت به إسرائيل لتزعم كما دائماً أن ذراعها طويلة، وهي ليست كذلك إنما شبّهت لها لغياب الأذرع الأخرى، في حينه. وحين تفشل هذه الإسرائيل في شيء تلبس ثوب الديمقراطية فتجسّد ما يقوله فلاحونا «قصر ذيل فيك يا أزعر».

لو استشهد أبو عين مناضلاً ميدانياً أو زارع قنبلة أو أسيراً، لما منحه القدر شرف النزول من علياء الوزير إلى أرض الفلاحين يدافع معهم عنها ويصدوا معاً غول الاستيطان بصدور عارية وقلوب خالية إلا من الإيمان بالحق الأبدي في فلسطين الأرض والمعنى والوطن، فلسطين الماضي والحاضر والمستقبل، فلسطين الفلسطينية والعربية والأممية، فلسطين الإسلامية والمسيحية والإنسانية، فلسطين الأزهار والثوار، فلسطين النور والنار.

رحل رأس الوزارة الفلسطينية الوحيدة التي لها معنى ومضمون ووظيفة، رحل ليعلق الجرس ويترك وصية الكرامة لجيل مطالب بأن يسرج الفرس ويصرخ بملء الفم والعقل والفؤاد أن السلام الذي ثمنه كرامة الفلسطينيين وحياتهم ووطنهم لا وجود له في قاموسهم.

لم يمرق أبو عين من بين وحوش الغابات وحشاً وحشاً ليبحث عن نزهة بحرية. كان من الممكن أن يموت في الغابات كالأشجار وقوفاً، لكنه عبر وعاش لكن حراً. لم يتسلل بين الأفاعي السامّة ويعبرها من أجل أن يموت بلدغة عقرب في ليلة صيفية جافّة، ولم يمرّر طفولته وصباه وشبابه على صفيح النجاة إلا ليتمثّل ما قاله جيفارا إن الثائر يجب أن يعيش أكثر لكي يناضل أكثر. قدّر له أن يعبر كل الصعاب ومشاريع الموت المؤجّلة ليموت وبين يديه شتلة زيتون.. هنيئاً يا معالي الشهيد.

 

Email