ماذا تريد واشنطن من أوكرانيا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المؤكد أن شبه جزيرة القرم قد عادت إلى وطنها الأم روسيا، ولن تخرج منها بعد ذلك أبداً، وهذا ما صرح به الرئيس الأميركي أوباما حرفياً في أبريل الماضي. إذاً، ما الدافع وراء استمرار واشنطن وحلف الناتو في حملتهما الشرسة ضد روسيا، والضغوط المستمرة من واشنطن على الأوروبيين لتوجيه العقوبات ضدها؟

هذا السؤال تبرز أهميته بعد مبادرة الرئيس الروسي بوتين لوقف القتال في أوكرانيا، ودعوته الأطراف هناك للحوار، وهي المبادرة التي وافق عليها الجميع بترحاب بالغ، ودخلت بالفعل حيز التنفيذ، ولم يمضِ يومان على بدء تنفيذ المبادرة، حتى أصدر الاتحاد الأوروبي حزمته الثالثة من العقوبات ضد روسيا، وكأنه يعاقبها على مساعيها السلمية لوقف القتال.

الحقيقة أن الأوروبيين لا يريدون معاقبة روسيا، ولا تهمهم أوكرانيا من بعيد أو قريب، خاصة بمشاكلها السياسية والاقتصادية، واقتصادها المنهار تماماً، وديونها التي تتجاوز 140 مليار دولار، ناهيك عن أنها ستكون سبباً للخلافات مع روسيا التي تعتمد عليها أوروبا كمصدر رئيس للطاقة، ولا تريد أن تستعيد معها الحرب الباردة السابقة التي لا يتحملها الأوروبيون الآن اقتصادياً وأمنياً.

المشكلة تكمن في واشنطن وسياساتها واستراتيجياتها التي لم تعد تتناسب مع المتغيرات والظروف الدولية الحالية، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وواشنطن تشعر أن الأوروبيين يبتعدون عنها تدريجياً ويقتربون أكثر فأكثر من روسيا، خاصة بعد انطلاق الحملة الأميركية على الإرهاب في عام 2001، وتشعر واشنطن بأن التقارب الروسي الأوروبي لن يجلب لها أي خير، بل سيزيد تراجعها على الساحة الدولية.

لهذا استغلت الأزمة الأوكرانية لحشد أوروبا ضد روسيا، وزادت من ضغوطها وابتزازها للأوروبيين ليستمروا في مسلسل العقوبات، حتى تصل روسيا إلى درجة عالية من الاستفزاز، تضطر معها لاتخاذ قرار بقطع إمدادات الغاز عن الأوروبيين..

وهنا تكسب واشنطن الرهان على أن روسيا ليست حليفاً مضموناً. في نفس الوقت تسعى واشنطن لإشعال حرب بين روسيا وجارتها أوكرانيا، تستنفد فيها موارد روسيا، وتحد من نموها وصعودها السريع على الساحة الدولية، ولهذا تمد هي والناتو، المتطرفين في غرب أوكرانيا بالسلاح والمال.

المخطط الأميركي ضد روسيا لن ينجح، لأن موسكو تستوعبه تماماً، والأوروبيون الكبار لن يقبلوا الاستمرار في الخضوع لرغبات وأهواء واشنطن، والشعب الأوكراني لن يقبل الحرب مع أشقائه في روسيا.

 

Email