روسيا الشفافة

ت + ت - الحجم الطبيعي

آخر نكتة أطلقتها روسيا الجديدة، روسيا المرتدية ألبسة تفوح منها أطماع إمبريالية، روسيا المستفزة لكل العالم، والمتباكية في الوقت نفسه على مآسي العالم، روسيا تريد أن تراقب الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، والله، بعثت بخطاب رسمي إلى الإدارة الأميركية، متضمناً طلباً للسماح لها بإرسال مراقبين إلى الولايات، والمدن الكبيرة، للتأكد من سير الانتخابات في الاتجاه الصحيح، يعني أن تكون نزيهة، ولا يستخدم المتنفذون سلطاتهم أو أموالهم أو فتواتهم، للتأثير على خيارات الناخبين، وترجيح كفة مرشح على مرشح آخر!

الولايات المتحدة الأميركية مصدومة، وأتخيلها تلعن اليوم، الذي جعلها فيه أوباما سخرية لروسيا، روسيا التي كانت تتأرجح عند حافة الفقر والانهيار الاقتصادي قبل سنوات، وهي التي استخدمت كل الوسائل من بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لتخرج من ضائقتها، وعندما نقول كل الوسائل نتذكرها جيداً، ونخجل من ذكر بعضها، روسيا التي يتلاعب رئيسها بدستورها، مطبقاً ديمقراطية الكراسيّ المتحركة، فوضع معايير جديدة للرئاسة، ويصر على ألا تزيد فترة بقاء أي شخص في هذا المنصب على دورتين، فإذا انتهت فترته الثانية صعد رئيس وزرائه إلى منصب الرئاسة، وأصبح هو رئيساً للوزراء، ويعكس الصورة، فتكون كل الصلاحيات في يده، والسيد ميدفيديف يتنقل دون صلاحية في المنصبين، وهذا اختراع لم يجرؤ غير السيد بوتين على تطبيقه، وللمعارضة حق الاحتجاج وله هو حقوق إسكاتها!

ومن هول المفاجأة لم تعرف أميركا كيف ترد على طلب بوتين، أو على استفزازه، فهذه الدولة العظمى التي تراقب العالم كله، هي التي تضع المعايير والشروط للانتخابات في كل مكان، وترسل رئيسها الأسبق جيمي كارتر تحت غطاء مؤسسته الخاصة للنزاهة والشفافية، وهو الذي يمنح البراءات للذين ينتخبون أو الذين يزورون، أو الذين يسقطون ويحتجون، وهي التي تصنف دول العالم نهاية كل سنة، بحسب تطبيقها للمعايير التي وضعتها. ويأتي الروس ليراقبوا من علموا العالم كيفية ممارسة الحقوق والمطالبة بالحريات وخوض الانتخابات، واعتماد النتائج، كيف يكون ذلك؟

هي نكتة موجعة لنا جميعاً، لكل البشر، فلا هذا نزيه يريد أن يطمئن على النزاهة، ولا ذاك حريص يحافظ على المصداقية، كلهم سماسرة، يبيعوننا «يافطات» مخادعة.

Email