أحلاهما مر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس لنا إلا الدعاء، بعد الذي شاهدناه، وبعد الذي سمعناه، ندعو العالم كله إلى التضرع، كل بحسب معتقده وثقافته، فالسنوات الأربع القادمة ستأخذنا إلى المجهول، وقد يأتي علينا يوم خلالها نترحم فيه على هذه الأيام التي نحن فيها بكل مآسيها.

بعد مناظرة فجر الثلاثاء بتوقيتنا المحلي وجدت نفسي دون ردة فعل لأكثر من ساعة، أصبت بصدمة حضارية، نعم، حضارية، وأشدد عليها، وأؤكدها؛ لأنها ليست نفسية، وليست ذهنية، ولن تكون سياسية، كنت كالخشب المسندة، لم أضحك، ولم أحزن، ولم أبحث عن ردات الفعل، لفَّني الصمت، ولا أدري لماذا تراءت لي كل الصور الجميلة المعبرة عن تحضر الإنسان: مدن، ووسائل مواصلات، وبنى تحتية، ومنتجعات، وجبال خضراء، وطبيعة، وماء، وغذاء؛ ومن خلفها بدت ترسانات الأسلحة: صواريخ عابرة، وطائرات قاذفة، ورؤوس نووية، وذكرى هيروشيما، وكوريا الشمالية وإيران وإسرائيل، وقيصر روسيا الجديد، كل هذا كان ينقصه شيء واحد، أن تكون الولايات المتحدة الأميركية مهزوزة.

كل هذه الحضارة يمكن أن تزال في لحظة حمق، هي كبسة زر واحدة لا غير، وتتطاير وسائل الدمار حول الكرة الأرضية، ونحن في هذه الأيام نعيش واقعاً مصغراً لتلك الحالة الكبرى التي يمكن أن تحدث، ما تفعله روسيا في سوريا دليل على أن الرؤساء يعكسون تركيبتهم النفسية والعقلية على أفعال دولهم، حيث يصبح الطموح الشخصي لرجل واحد وضعت في يده القوة الغاشمة سبباً في نشر الموت، فإذا أضفنا إلى ذلك الدولة الأكبر من حيث القوة، والأكثر إمكانات وتطوراً، الولايات المتحدة، ويكون رئيسها واحداً من اثنين شاهدناهما وسمعناهما في مناظرتهما: الأول يريد أن يكون «مقاول» العالم، والثانية تريد أن تثبت أنها قادرة بدنياً وعقلياً على قيادة الدولة العظمى.

ليس هناك مفر، ترامب وكلينتون هما الخيار المتاح للشعب الأميركي، أحلاهما مر، وأحسنهما مصيبة، والعالم هو الذي سيذوق طعم المرارة ويعيش تبعات المصائب.

سندعو ونسأل الله أن يلطف بعباده، وأن يخفف من وقع ما تخفيه السنوات الأربع المقبلة.

Email