الفالنتاين.. حمى العشق السنوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عشنا سنوات من عمرنا لم نسمع بأعياد غير أعياد الإسلام المعروفة، وإن كنّا نشاهد شيئاً قليلاً من بعض أعياد الهندوس، ولكن على استحياء منهم، ولا نكاد نشاهد أعياد النصارى لأنّهم كانوا قلّةً إلا بالصدفة، وهم لا يجرؤن على إعلان عيدهم أمام الكثرة الكاثرة من المسلمين آنذاك.

وكذلك لم يكن يوجد كثير من الفنادق في بلادنا الحبيبة حتى يظهروا كل هذه الاحتفالات التي تخصّ دينهم أو من التي اخترعوها عبر التاريخ، من مثل «الفالنتاين» عيد الحب الذي انتشر الاحتفال به بين الناس كافةً، مسلمهم وكافرهم، صغيرهم وكبيرهم، إلا قليلاً ممن أفتوا بتحريمه ونهوا الناس عن اتباع الكفّار فيه، لأنّه لا يمتّ إلى الإسلام بصلة.

بعد مرور الوقت، وزيادة عدد الوافدين لهذه الديار العامرة من كل حدبٍ وصوب، وقد دخلنا الحضارة العالمية من أوسع أبوابها، ولم تبق جنسية على وجه البسيطة إلا وأقامت في الإمارات ووجدت التسامح والأخلاق العالية من أهلها، فأهل الإمارات جبلوا على الطيب وإكرام الناس والمعاملة بالحسنى.

فما كان من هؤلاء الأغراب إلا أن جلبوا معهم أعيادهم كلها كما هي، بل بالغوا في الاحتفال بها بشيء لم يسبق لنا أن نراه من قبل، حتى صار الأمر في أعيننا نحن الإماراتيين أمراً عادياً ولا نحفل به، ثم هجمت علينا شركات بيع الورود العالمية والبطاقات والهدايا وبعض القنوات الإذاعية والتلفزيونية، وكل أهدافها الربح وزيادة دخلها السنوي ولا علاقة لها بغير ذلك.

لقد ساعدت هذه الشركات على انتشار مثل هذه الأعياد، لأنّ عيدي المسلمين «الفطر» و«الأضحى» ليس فيهما أي ربح لها، ولكنّ الأرباح الكبيرة في أعياد المسيحيين، مثل «الكريسماس» وعيد الحب «الفالنتاين».والعجيب أنّ من ينكر عيد «الكريسماس» من شبابنا لا يستطيع إنكار «الفالنتاين»، لأنّه عيد العشّاق والمحبين، كما تروّجه الآلة الإعلامية، والحقيقة أنّهما عيدان من أعياد «روما» الوثنية، كما بيّنه علماء الغرب ولأنّهما أعياد قديمة لم تستطع الكنيسة التخلّص منهما، فألبسوهما لباس القداسة المسيحية، فالأكبر جعلوه لعيد مولد المسيح، والأصغر لعيد العشاق، وهناك أعياد أخرى وثنية نصّروها أيضاً، مثل «الهلوين».

و«الفالنتاين» شخصية مسيحية أسطورية، يرجعونها إلى ثلاثة من القساوسة، أحدهم قُتل سنة 269 م، وآخريْن بعد ذلك، وينسجون من أخيلتهم بغير دليل قصصاً وهمية عنه، وزعموا أنّ القس «فالنتاين» عارض قرار الإمبراطور "كلوديس الثاني" الذي يقضي بمنع الشباب من الزواج حتى بلوغهم مرحلة الرجولة، فأُعدم القس بسبب معارضته، وقامت الكنيسة بتكريمه وتخليد ذكراه في يوم قتله وهو 14 فبراير من كل سنة، ولكنّ المتتبعين لهذه القصص من المؤرخين، أثبتوا أنّها من خيال الكنيسة، والحقيقة غير ذلك.

يقول البروفيسور "جاك بي أوريوتش" من جامعة كانسس الأميركية: في روما القديمة كان «لوبر كايلي» من الطقوس الدينية التي ترتبط بالخصوبة، وكان الاحتفال بمراسمه يبدأ في اليوم الثالث عشر من شهر فبراير، ويمتد حتى اليوم الخامس عشر من نفس الشهر.

وقد قام البابا «جيلاسيوس الأول»، الذي تولى السلطة البابوية بين عامي (492 -496 م) بإلغاء احتفال "لوبركايلي"، ومن هنا قال المؤرخون الغربيون: إنّ عيد «فالنتاين» هو تنصير من الكنيسة الكاثوليكية لاحتفالات "لوبركايلي" الوثنية، لأنّها لم تستطع محو احتفال هذا العيد الروماني الراسخ في عقول الناس.

وهكذا، بعد مرور قرون من الزمان، ترسّخ هذا العيد في قلوب البشرية، وساعدت الإرساليات التبشيرية على تثبيته في كل البلدان التي تمكنّوا فيها أو كثروا فيها، وفي بداية القرن التاسع عشر، بدأت بعض الدول الاحتفال بعيد الحب «فالنتاين»، وخصصت له عطلة رسمية، وقامت الشركات الكبرى بصنع البطاقات الخاصة به وبيع الورود الحمراء.

وهكذا تطور الأمر جداً حتى وصل إلى العالم الإسلامي، فأفتى علماء الإسلام بحرمة الاحتفال بعيد الحب، ولكن هناك من لم يسمع هذه الفتاوى بل لا يراه إلا مناسبة جميلة، ومن الطريف أنّي استمعت منذ فترة إلى «ميحد حمد» مطرب الخليج، يغنّي كلماتٍ بصوته الجميل عن عيد الحب «فالنتاين»!.

Email