أصداف

الكتابة والنشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

نلاحظ في الآونة الأخيرة أن عدداً متزايداً من الكتّاب المعروفين ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي نصائح سريعة للكتّاب الواعدين (على نحو أفضل عشر نصائح لتصبح كاتباً)! كم كنت أتمنى لو أن الأمر بهذه السهولة!

ورغم أن الكتابة عملية إبداعية، ترتكز إلى الموهبة بشكل أساس، إلا أننا من المؤكد نستطيع أن نتلمس بعض السمات المهمة التي يتشارك بها الكتّاب المبدعون، فقد لمست أن معظم الكتّاب، سواء الذين يتصدرون المشهد الأدبي والثقافي، أو الذين لم ينشروا سوى رواية واحدة، يتشاركون في الإقبال الكبير على المطالعة، وقراءة الكتب يومياً، وقد تأكدت لي هذه الحقيقة عبر السنين، من كل الكتّاب الذين قابلتهم وتعرفت إليهم في دورات مهرجان طيران الإمارات للآداب.

والمبدعون يقبلون على الكتاب كما يقبل المرء على الأطباق الشهية، وتنازعهم الأماكن في منازلهم أكداس من الكتب والمقالات، والصحف والمجلات، وقصاصات الورق، والدفاتر!

إذاً، يمكننا القول أن المبدأ الأساس الذي يتجاوز أهمية كل النصائح والإرشادات والقواعد، هو المطالعة، فالمطالعة هي المسار الصحيح لزيادة ثروة المفردات وغرس محبة الكلمات وتعميق تأثيرها في النفوس.

وهناك سمة أخرى لدى الكتّاب الناجحين، وهي أنهم لا يهدرون فرصة لإضافة فكرة جديدة إلى مخزون أفكارهم، حتى أنهم يحملون دوماً كراسة صغيرة وقلماً، ويخطون ما يمليه خاطر اللحظة من أفكار عن كل ما يشاهدونه ويسمعونه، من المشاهد الطبيعية، وصفات وطبائع الأشخاص الذين يلتقون بهم، وانفعالاتهم،... إلخ

وليس كل ما يسجله الكتّاب يظهر في كتبهم مباشرة، ولكننا لا نعرف، وربما هم أنفسهم لا يعرفون في أي كتاب يظهر أثر تلك الأفكار المدونة، فعندما تتضمن الكتب والروايات مشاهدات حية من واقع الحياة اليومية، يكون لها أثرها الكبير على القرّاء ويتفاعلون معها بشكل كبير.

إذا كنتم تتطلعون لإتقان العزف على آلة موسيقية، لا بد من أن تبادروا إلى ممارسة العزف والتدرب عليه كل يوم، وإذا كنتم ترغبون في التفوق في رياضة معينة، يجدر بكم تخصيص ساعات للتدريب، وكذلك لا بد للكاتب، إن أراد أن يكون كاتباً ناجحاً، من أن يمارس الكتابة كل يوم، حتى لو أن الكثير مما يكتبه سيتجاهله في نهاية المطاف، لأن الكاتب المبدع ينتقي من العبارات والجمل، أروعها لتشكيل نص مبدعٍ، يتكامل مبناه ومعناه.

بعد اكتمال العمل في نظر مبدعه ـ سواء كان رواية أو سيرة أو كتاباً غير روائي ـ وبعد تدقيقه وتنقيحه، يبرز السؤال الأهم: ما السبيل لنشره؟ هل يقوم بنشره مباشرة عن طريق النشر الذاتي؟ ربما إلكترونياً، وربما باستخدام تكنولوجيا الطباعة عند الطلب لإنتاج نسخ محدودة، كما يفعل العديد من الكتّاب الجدد في أيامنا هذه، وبعضهم يحقق نجاحاً ملفتاً، إلا أن أغلب الكتب المنشورة ذاتياً، لا يقرأها سوى مجموعة قليلة من الناس، وهنا يبرز سؤال آخر: ما هي ميزات النشر التقليدي؟

إذا تم قبول كتابكم من قبل أحد الناشرين، سيعهد به إلى ذوي الخبرة للإشراف عليه، ليقوم المحرر بقراءته بعين الخبرة والموضوعية، وسيعمل معكم، لإحداث بعض التعديلات «المحتملة» لإبراز أفضل ما في الكتاب، أو الرواية، وتنسيق كل شيء والاتفاق على الخط وعلى توزيع الكتاب المطبوع، والرسوم والصور،...إلخ.

وسوف يقوم المحرر بتجهيز النسخة النهائية للطباعة، ويقوم المدقق بالتدقيق اللغوي، ثم يتولى المصمم تصميم الغلاف بما يتناسب مع اتجاهات سوق الكتب، وخلال رحلة إنجاز الكتاب يبدأ المحرر بالتعريف بالكتاب في محور دار النشر وخارجها.

تقوم دار النشر التي تتولى نشر الكتاب، بكل ما بوسعها لنشره بأفضل حلة، لأنها تؤمن بأن الكتاب سيحظى بالقبول لدى القرّاء، وتتوسم فيه نجاحاً كبيراً، وتعمل دار النشر باتجاهيين متوازيين، لهما ذات الأهمية في تحقيق النجاح، هما التسويق والتوزيع لتضمن، أولاً، تعريف القرّاء بالكتاب، من خلال الدعاية واستعراضات الكتب والإعلانات، وغيرها من وسائل التسويق، وثانياً لضمان توفير الكتاب للقرّاء من خلال متاجر التجزئة التي يرتادونها.

إذاً لا بد من أن تتكامل المهارات المختلفة للوصول بالكتاب من مخطوطة خطها المؤلف إلى نسخة نهائية منشورة يتداولها القرّاء. إنها صناعة رائعة تقدم لنا نحن القرّاء الكثير الكثير، ويسر مهرجان طيران الإمارات للآداب أن يقدم الدعم للكتّاب والقرّاء، ما استطاع لذلك سبيلاً، فالمهرجان يتطلع دائماً إلى دعم وتشجيع المواهب في رحلة الكتابة، سواء لمن هم في بداية الطريق، أو من وصلوا لمرحلة النشر!

وقد خصص المهرجان يوم الأربعاء 7 مارس، يوماً للنشر في مهرجان طيران الإمارات للآداب 2018، يشتمل على جلسات للخبراء وجلسات حوارية حول كل ما يتعلق بالنشر، من المهارات الأساسية للتحرير والترجمة، إلى كيفية اختيار الكتب التي تترجم، ونشر الكتب التي يرغب الأطفال بقراءتها، وكيفية وصول الكتب الورقية والمسموعة والإلكترونية إلى قرائها. ويستضيف يوم النشر مجموعة من الخبراء في مختلف مجالات صناعة النشر لتقديم خبراتهم وأفكارهم، إنها فرصة فريدة لمعرفة الكثير عن كيفية بناء جيل جديد من الناشرين والكتّاب والقرّاء، ولا بد أن يكون لكم دوركم ضمن كل هذه الجهود المبذولة.

انضموا إلينا لمعرفة المزيد!

Email