إيران على صفيح ساخن

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلقت الثورة الإيرانية عام 1977 - 1979، تحت شعارات المطالبة بالحريات ومكافحة الفساد والديكتاتورية والاستبداد، واستغل الخميني من منفاه الأحداث في الشارع الإيراني، وتغنَّى بهذه الشعارات البراقة محرضاً ومؤججاً، وأظهر نفسه كمخلص للشعب الإيراني، واغتر الناس به، وفور أن أمسك بزمام إيران بدأت الحقيقة تنكشف بعكس ذلك.

فلم يتجه إطلاقاً إلى العمل بشعاراته الرنانة، وإنما بدأ بالاستحواذ على مفاصل الدولة، وترسيخ أقدام تيار ولاية الفقيه التابع له، والتخلص من شركاء الثورة من ذوي التوجهات الأخرى، ففُتحت السجون، وأُلصقت التهم، ونُصبت المشانق.

وسرعان ما سيطر تيار ولاية الفقيه بقيادة خميني ثم خامنئي على مفاصل إيران من سياسة ومال ومؤسسات وغيرها، واستغلوا ثروات الشعب الإيراني أسوأ استغلال، وأنفقوها على إنشاء إمبراطوريات اقتصادية لدعم تنظيماتهم الإرهابية كالحرس الثوري وغيره، وصرفوا المليارات على حروب خارجية جلبت الخراب والدمار للمنطقة.

وعلى ميليشيات إرهابية عاثت في الأرض إرهاباً وفساداً، وفي الوقت الذي يعيش فيه ملايين الإيرانيين تحت خط الفقر ويعانون من الفاقة والحرمان تمتلئ جيوب الميليشيات الإرهابية بالأموال الإيرانية السخية، حتى قال حسن نصر الله بكل افتخار: "موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من إيران .. طالما في إيران فلوس فنحن عندنا فلوس"!!

وهكذا خابت آمال الشعب الإيراني، وعلم أن تيار ولاية الفقيه قد تلاعب به وخانه طيلة أربعة عقود، وأضحى واقع الناس اليوم في إيران خير برهان على ذلك، فقد ساءت أحوالهم المعيشية، وانتشر فيهم الفقر والبطالة والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وامتلأت إيران بالعاطلين والمشردين، وزاد من السخط الداخلي تدخلات إيران في المنطقة.

وسوء علاقاتها بجيرانها، وتغذيتها للحروب والصراعات، والزج بأبناء إيران في الحروب الخاسرة، مما جعل الناس في حالة ثوران وغليان، إلى أن خرج كثير منهم في المدن الإيرانية إلى الشوارع محتجين ساخطين، وسرعان ما ارتفع سقف مطالبهم، حتى طالت المرشد الإيراني خامنئي نفسه!

يا للعجب! لقد تباهت إيران باحتلال ميليشياتها لعواصم عربية، وظنت بذلك أنها حققت مكاسب كبرى، وإذا بها اليوم تواجه عاصفة داخلية في قلب عاصمتها ومدنها الرئيسية، من متظاهرين يطالبونها بالخروج من تلك العواصم، وصرف الأموال على التنمية الداخلية بدلا من النزاعات الإقليمية.

نعم! لقد كان مبدأ تصدير الثورة الذي تبنته إيران منذ نشوء نظام الخميني وبالاً عليها وعلى المنطقة، وما تلك الصراعات والميليشيات الإرهابية التي تهدد المنطقة إلا ثمرة من ثمراته المريرة، واستمر هذا النظام طيلة العقود الماضية في دعم الإرهاب بمختلف صوره، دون أن ينزجر ويرعوي.

وحمل راية التخريب في الشرق الأوسط، ولم يدخل بمليشياته دولة إلا أفسد فيها، فدمر العراق وسوريا ولبنان واليمن، وغذى الطائفية، ونشر الكراهية والأحقاد، واستغل المخدوعين شر استغلال، فجعلهم وقوداً لحروب وصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

وإن إيران اليوم نتيجة سياساتها تلك على صفيح ساخن، بل على فوهة بركان هائج، وسواء أخذت الاحتجاجات مدى أوسع أو خبت فإنها مجرد نيران لرماد قابع تحت الجمر، ونتيجة لأسباب جذرية عميقة ولسياسات عقيمة، وإذا لم يستغل النظام الإيراني الفرصة لإصلاح نفسه إصلاحاً جذرياً شاملاً فلن يجني إلا العلقم المر، فبجانب ما يعانيه الداخل الإيراني من الأحوال المتردية والركود الاقتصادي وإفلاس المؤسسات المالية والسخط العام من التدخلات الخارجية فهناك القوميات المختلفة، كرد وترك وعرب وفرس وغيرهم.

وإذا استمرت إيران في مغامراتها فستخرب بيتها بيدها إن عاجلا أو آجلا، وإذا كان المجتمع الدولي بأسره لا يتحمل أن تتحول إيران إلى سوريا أخرى فإن المسؤولية هنا تقع على عاتق النظام الإيراني، بتصحيح مساره، وترك سياساته العنترية.

لقد أكد معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية أن الاحتجاجات في المدن الإيرانية "فرصة للمراجعة العاقلة، وتغليب مصلحة الداخل على مغامرات طهران العربية، فمصلحة المنطقة وإيران في البناء الداخلي والتنمية لا استعداء العالم العربي".

كما عبَّر مندوب الكويت في مجلس الأمن عن قلقه إزاء الأحداث الأخيرة في إيران، وما نتج عنها من سقوط ضحايا وأعمال عنف، داعياً الحكومة الإيرانية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، والتعامل بحكمة مع مطالبهم، مذكراً إياها بالسيناريوهات المريرة التي مرت بها بعض الدول.

نعم! على إيران أن تعتبر بالدول الأخرى، وتعيد حساباتها، فما هي حال تلك الأنظمة والشعوب التي اصطدمت ببعضها، وركب كل طرف رأسه، لقد انجرت إلى مستنقعات الخراب والدمار، وإذا ظن النظام الإيراني بأنه سيكون أفضل من غيره فهو واهم، تماما مثلما ظن أنه محصن من غضب الجماهير.

فإذا بالاحتجاجات تهز أركانه، وتبث الرعب في أوصاله، وإذا ظن أن بيده زمام السيطرة الآن فإن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، ولذلك فعليه أن يتجرد من أوهامه، ويفيق من أحلامه، ويعيد ضبط بوصلته، بالتخلي عن أنشطته الإرهابية.

والكف عن دعم الصراعات والميليشيات والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وبناء علاقات حسن جوار، والانصراف إلى التنمية الداخلية، فهل النظام الإيراني قادر على تغيير دفته إلى هذا المسار؟! إن تصريحات المسؤولين الإيرانيين ومواقفهم لا تبشر بخير، وقديماً قيل في الأمثال فيمن يجلب الهلاك والشؤم لنفسه: على نفسها جنت براقش.

 

 

Email