قادرون على النصر.. وسننتصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما كان صحيحاً ما قاله بعض أركان الإدارة الأميركية، عن رد الفعل العربي بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب حول القدس، بأن «السماء لم تنطبق على الأرض».

لكن الصحيح أيضاً أن السماء لا يمكن أن ترضى على المساس بحقوق مليارات البشر من المسلمين والمسيحيين ومشاعرهم لهذا القرار، وأن الأرض تختزن من الغضب ما يكفي لزلزلة أوضاع المنطقة والعالم، وإن كان البعض يجهلون، أو يدعون التجاهل!!

والأهم هنا ألا نجعل من القراءة الخاطئة للواقع، طريقاً كما يريده الأعداء من نشر مشاعر الإحباط، وإعطاء المصداقية لما يروجونه من أننا أمة كتب عليها العجز والفشل!!

تمنحنا قضية القدس فرصة مواجهة النفس، فندرك أن العكس هو الصحيح. وأن صمود أمتنا في وجه التحديات لم يكن بالأمر السهل، وأن ما واجهناه وما زلنا ـ من حروب ومؤامرات كانت كافية لإلغاء وجودنا. ومع ذلك ورغم كل الطعنات الدامية التي لم يتوقف أعداؤنا على توجيهها لنا ـ فمازلنا قادرين على أن نقول «لا»، وأن نظل ممسكين بجذوة الأمل وصامدين أمام كل هذه التحديات!!

غاية ما يريده الأعداء هو أن تنكسر إرادتنا، وأن نتناسى أننا لم نتوقف يوماً عن المقاومة، وأننا ما زلنا قادرين على عبور هذا الزمن الرديء، لأننا عبرنا ما هو أسوأ منه وأردأ!!

يكفي فقط أن نتذكر ما حدث بعد حرب أكتوبر التي التأم فيها شمل الأمة، لتلحق الهزيمة بالعدو الإسرائيلي، ولتجعل وجود الكيان الصهيوني نفسه موضع تساؤل لولا ما فعلته الولايات المتحدة حين دخلت الحرب مباشرة لإنقاذ إسرائيل.

ولم تنته سنوات السبعينيات حتى كنا نواجه انقلاب الأوضاع في إيران، والذي تصور الكثيرون أنه سيبدأ عهداً جديداً من العلاقات الودية مع الأمة العربية، فإذا بذهاب السلطة إلى «الملالي» يضعنا أمام خطر جديد مع نظام ينشر الفتنة باسم الثورة، ويقود المسلمين إلى صراع مذهبي مدمر، ويرث كل أوهام التوسع الفارسي ليلبسها عمائم الملالي ويطلقها حرساً ثورياً وميليشيات طائفية وجهوداً لم تتوقف لمد النفوذ وزرع الفتنة في أرجاء الوطن العربي.

ليتكامل المشهد والعالم العربي في مواجهة قوى إقليمية تستبد بها أحلام التوسع في الأرض العربية، وفي مواجهة ميليشيات إرهابية تعيث في الوطن العربي فساداً وتدميراً باسم الدين الحنيف.

وفي مواجهة مخطط أوسع يستخدم كل هؤلاء كأدوات لنشر ما سماه «الفوضى الخلاقة»، والتي لم تكن تعني إلا الدمار والخراب وزرع الحروب الطائفية، وتسليم الأوطان لحكم الميليشيات التي تتاجر بالدين لتبيع الأوطان أو تعرضها في سوق التقسيم..

ونذكر ثورة شعب مصر التي انتصر لها جيشها الوطني في 30 يونيو التي أنقذت مصر وفتحت باب الإنقاذ أمام شعوب عربية مازالت تناضل في سوريا وليبيا واليمن لضرب الإرهاب وإنهاء سطوة الميليشيات ونفوذ الدول الراعية لها.

ووسط هذا كله كانوا يأخذون قضية فلسطين إلى متاهات «أوسلو» التي لم تنتج إلا سلطة عاجزة، واستيطاناً يتوحش، وانقساماً في الصف الوطني تم زرعه بعناية لنقل فلسطين من قضية تحرر وطني إلى صراع ديني، ولوضع غزة في مقابل الضفة، ولتصبح فلسطين محور صراع عربي بعد أن كانت قضية العرب التي تجمع الكل وراء هدف التحرير.

وسط هذا كله يأتي القرار الأميركي الشائن حول القدس، ونجد ـ من داخل الإدارة الأميركية نفسها ـ من يهنئ نفسه بأن «السماء لم تنطبق على الأرض»، كما حذر البعض قبل إصدار القرار. وتبدأ حملات تحاول ترسيخ مفهوم الفشل والعجز عند العرب ويقع الكثيرون منا ـ للأسف الشديد ـ في هذا الفخ المسموم.

لا يا سادة ليست هذه لحظة للاستسلام، بل هي لحظة نراجع فيها النفس، ونتفهم أيضاً حجم المؤامرات التي واجهناها، والتضحيات التي قدمناها، والتحديات التي نواجهها.

هذه لحظة ندرك فيها أن ما تعرضنا له من مؤامرات لم تعرفه أمة أخرى في عصرنا، وأن ما نواجهه من تحديات هائلة لا يمكن أن يوقفنا عن المواجهة، والتحدي، والانتصار. كما فعلنا في أصعب الظروف.

نعرف أن صمودنا في وجه الفوضى التي أريد لها أن تعصف بكل الوطن العربي كان إنجازاً كبيراً، وأن إسقاطنا لحكم الفاشية الدينية في مصر كان نقطة حاسمة لصراع على مصير المنطقة، وتدرك أن إنقاذ اليمن من عصابة الحوثيين أمر حتمي، وأن التصدي للأطماع الإيرانية في المنطقة لا يحتمل التأجيل، وأن كل محاولات تأجيج الصراع السني والشيعي لابد من القضاء عليها. وندرك أن عروبة القدس في أعناقنا جميعاً.

لسنا عاجزين، كما يحاول البعض أن يقنعنا، من اجتازوا كل هذه الأهوال، وهزموا كل هذه التحديات، وبقوا صامدين أمام كل هذه المؤامرات. قادرون على أن يستأصلوا الإرهاب وميليشياته، وأن يقضوا على كل أوهام ملالي إيران وسلاطين الترك والنازيين الجدد في الكيان الصهيوني في استباحة الأرض العربية.

نحن قادرون على النصر لأن الحق معنا، وإرادتنا ملكنا، والخير طريقنا. وللعرب سلام آت ونصر قريب.

 

Email