مصر وحضورها العربي رغم الإرهاب والتآمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست مصادفة على الإطلاق أن يجتمع الخطان في القاهرة. الخط الأول.. سوف نجد القاهرة تتحرك على كل الجبهات الملتهبة وتحقق الكثير، خلال أيام كانت مصر تنجح في جمع طرفي الصراع في جنوب السودان، وتحقق التوافق في دولة تعاني الآثار المدمرة للصراعات التي لم تتوقف منذ انفصالها عن الدولة الأم «السودان».

وعلى نفس الطريق كانت مصر تتحرك بلا تردد لمواجهة مخاطر وتداعيات الأزمة التي اندلعت في لبنان مع استقالة رئيس الوزراء الحريري التي وضعت هذا البلد العربي الجميل على حافة الانفجار. وقد كان التحرك المصري الفعال لإنقاذ لبنان تعبيراً عن قمة الشعور بالمسؤولية القومية، وإدراكاً بأن الحرب في لبنان ستكون وبالاً على الجميع، وأنه لا حل ولا مستقبل للبنان إلا بولاء جميع الفرقاء فيه لوطنهم ولعروبتهم.. وفقط!

وكان لافتاً هنا أن تتحرك مصر بدعم عربي كامل، وبتوافق دولي لعبت فيه فرنسا دوراً أساسياً، وبتفهم من كل الفرقاء في لبنان لمقاصد ما تبذله القاهرة من جهد لا يستهدف إلا مصلحة لبنان والعرب.

ومن هنا كان التوافق الذي أدى لنزع فتيل الأزمة مع «تريث» الحريري، ومع الأجواء الإيجابية التي تسهل الطريق للحوار اللبناني حول القضايا المعلقة، والتي لن تجد طريقها للحل النهائي إلا بوحدة وطنية، وبولاء عربي وبرفض للتدخل الأجنبي.

** الخط الثاني.. نرى مصر وهي تواجه ـ في نفس الوقت،ـ إرهاباً مازال يتربص بها، ومحاولات لا تنقطع للنفاذ من حدودها والإضرار بأمنها.. سواء من حدودها الشرقية أو الجنوبية أو الغربية تستمر جماعات الإرهاب الإخواني ـ الداعشي في محاولاتها، وتستمر ضربات جيش مصر وأجهزة أمنها تحقق إنجازات هائلة كان آخرها قبل أيام حين تم ضرب أحد أجنحة الإخوان المسمى بـ«لواء الثورة».

والذي كان قد ارتكب عدة جرائم استهدفت اغتيال بعض الشخصيات العسكرية والمدنية وضرب المنشآت الحيوية، ومهاجمة كمائن الشرطة. والذي كان يستعد لموجة من التفجيرات بالسيارات المفخخة قبل أن تحبط أجهزة الأمن هذه المخططات وتضرب التنظيم في مقتل، وتضبط عدداً من أفراده وتقضي على الآخرين.

وفي نفس الدائرة الإخوانية كانت الضربة القاصمة التي وجهتها المخابرات المصرية بضبط أكبر شبكة إخوانية كانت تعمل للإضرار بالاقتصاد القومي وغسل الأموال والاتجار بالعملة في السوق السوداء، هذه الضربة لم تعلن السلطات المصرية بعد كل تفاصيلها وإن كانت أهميتها تبدو واضحة من حالة الهوس التي أصابت المنصات الإعلامية الإخوانية.

خاصة أن ذلك قد ترافق مع وضع السلطة المصرية يدها على العديد من المؤسسات التي كانت هذه الشبكة تديرها من الأرباح الطائلة التي حققتها عن طريق تمرير المكالمات الدولية بطرق غير مشروعة، والتي جاوزت مليارات الجنيهات كانت تذهب لإنشاء شركات تعمل في المجال الاقتصادي والإعلامي، توفر دعماً مالياً كبيراً لجماعات الإرهاب الإخواني.

كما ترافق ذلك مع الإعلان عن القائمة الجديدة للإرهاب من جانب الرباعي العربي المقاوم للإرهاب «مصر والإمارات والسعودية والبحرين» .

والتي ضمت إلى جانب اتحاد القرضاوي لعلماء الإخوان الذي ترعاه وتموله قطر لنشر فكر الإرهاب والتحريض على الكراهية والعنف، العديد من الشخصيات الإرهابية وعلى رأسها محمود عزت القائم بأعمال مرشد الجماعة الإرهابية، والهارب من العدالة منذ سقوط حكم الإخوان الفاشي في مصر.

وتكشف هذه التطورات في مواجهة الإرهاب عن حقائق، أهمها أنه رغم تنامي خطر الدواعش والقاعدة، خاصة في ليبيا على الحدود الغربية لمصر ومع الضربات المتلاحقة التي توجهها مصر لها، فإن عيون الأجهزة الأمنية والسياسية في مصر تبقى متيقظة إلى حقيقة أن الإخوان تبقى أس البلاء ومنبع الإرهاب.

وأن ما تتلقاه من دعم مالي وإعلامي ولوجستي من قطر، ومن قوى إقليمية ودولية. يجعل من الإخوان خطراً دائماً حتى يتم استئصال فكرهم الإرهابي، كما يحتم أن تكون المواجهة صريحة مع كل من يدعمهم.

وإذا أضفنا إلى كل ذلك انفجار أزمة سد النهضة من جديد والتي تناولنا في مقال سابق أبعادها ومخاطرها. لأدركنا قيمة ما تنجزه مصر في الداخل والخارج في ظل هذه الظروف الضاغطة، ومع محاولات تعطيل انطلاقها الاقتصادي واستنزاف قواها في معارك لا تنتهي حتى لا تقوم بدورها العربي الذي افتقدته الأمة العربية لسنوات طويلة.

فكانت النتيجة غياباً عربياً استغلته كل قوى الشر. بدءاً من جماعات الإرهاب الإخواني الداعشي، وحتى القوى الإقليمية الكارهة لكل ما هو عربي، وانتهاء بقوى كبرى تقاتل معاركها على أرضنا التي تريد أن تعيد تقسيمها وفقاً لمصالحها!!

لكن مصر تعرف أن هذا كان قدرها على الدوام.. والأمة العربية تعرف هذا أيضا. ومن هنا وقفت كلها مع مصر وهي تنتفض على حكم الإخوان الفاشي، ولم تخيب مصر الآمال وهي تصمد في وجه التحديات وتمضي لتحمل مسؤوليتها العربية مدركة لحكم التاريخ والواقع بأن أمنها واستقرارها لا ينفصلان عن أمن واستقرار أمتها العربية.

تعرف مصر أن التحديات ستزداد وأن المزيد من العقبات ستوضع في طريقها، لكنها تعرف أيضا أن عمقها العربي سوف يعطيها القدرة لتكون أكثر قوة على مواجهة هذه التحديات وقهر كل المصاعب، وإنهاء غياب عربي كان ثمنه فادحاً.

 

Email