نهاية «مملكة» نتانياهو

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما بحثت عن بيت جدي، أرى إسرائيلياً في الطريق. وكلما تذكرت كلام أمي عن يافا وبحر يافا، رأيت إسرائيلية بالمايوه أو بالسلاح. أمي لم تكن تعرف المايوه ولا المايونيز. كانت ترتدي ثوباً مطرزاً بأغصان البرتقال والليمون. ظلت ترتديه حتى ماتت ولم يمت الثوب. احتفظ بالثوب لتدلني رائحته على الطريق إلى يافا.

لكن البحر لم يزل البحر، البرتقال لم يغادر مكانه، والفلسطينيون ينجبون فلسطينيين. وكل ما تغير على الأرض منذ 1948 ما هو إلا حدث طارئ وأوهام صهيونية - نقول أوهام لا أحلام - كما أحلام مارتن لوثر كينغ عندما أطلق صرخة «عندي حلم».

وهو الاسم الذي أطلق على خطابه الذي ألقاه عند نصب لنكولن التذكاري في 28 أغسطس 1963 أثناء مسيرة واشنطن للحرية عندما عبر عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس. الوهم الصهيوني ابتدعه ثيودور هرتزل وها هو نتانياهو يكمل دور مؤسس الحركة الصهيونية ومشروعها الآيل للانهيار.

لقد فجر نتانياهو قنبلة نسفت المشروع الصهيوني من أساسه وهز الكيان الإسرائيلي من جذوره المبنية على كذبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، عندما قال في جلسة دينية مغلقة في بيته «إن مملكة الحشمونائيم نجت فقط 80 عاماً، وإنه يعمل على ضمان أن إسرائيل سوف تنجح هذه المرة والوصول إلى 100 سنة».

ووفق مؤرخي «إسرائيل» فإن المملكة الحشمونية (هشمونيئيم) كانت دولة يهودية عاشت 77 عاماً، وكانت نهايتها مع غزو المنطقة من قبل الإمبراطورية الرومانية.

وحسب من حضر الجلسة، فإن ما قيل لفت انتباه الحضور، ونقلت صحيفة هآرتس عن مشارك في الندوة قوله عن أبرز تصريحات رئيس الحكومة: «قال نتانياهو إن وجودنا ليس بديهياً وأنه سيبذل كل ما في وسعه للدفاع عن الدولة». وأضاف: «المملكة الحشمونية دامت 80 عاماً وإن علينا بدولة إسرائيل أن نتخطى ونمر هذه الفترة»!

لم تكن تلك العبارة زلة لسان بل تعبيراً عن القلق العميق لدى الإسرائيليين على وجود «دولتهم» على أرض فلسطين. ذلك القلق النابع من قناعتهم بأن هذه الأرض ليست أرض اليهود.

بعد نشر تصريح نتانياهو عبر موقع «إسرائيلي» يبث باللغة العربية بفترة وجيزة، تم شطب التصريح وقبل الشطب حاول الموقع أن يلتف على التصريحات، و«يفسرها» بطريقة ملتوية، توحي أن قلق نتانياهو ليس حقيقياً، وأن تصريحاته نقلت بطريقة ليست دقيقة، ثم ما لبث الموقع أن أزال الخبر كله، مع تبريراته.

هاجس بقاء «إسرائيل» لا يقتصر على كتّاب ومحللين إسرائيليين فقط أمثال آري شبيط وعميرا هيس ويوري افنيري وجدعون ليفي الذين يجهرون بآرائهم ويعتبرون نتانياهو وعصابة المتطرفين الصهاينة أعداء لليهود.

ولو عدنا لسنوات حكم نتانياهو لرصدنا تصريحات مشابهة، وإن كانت أقل تصريحاً، فقد رصدت أقواله أكثر من مرة أن «أعداء إسرائيل» يريدون إزالتها، وتساءل مرات عدة، خاصة بعد وقوع عمليات فدائية موجعة، قائلاً إنه لا يوجد لدينا بلاد غير هذه البلاد نذهب إليها، إن طرح سؤال الوجود من حيث المبدأ يعني أن وجودك ليس مسلماً به.

المثير فيما ذكره نتانياهو أنه لا يأتي في لحظة ضعف يمر بها الكيان، بل في لحظة قوة وغطرسة إن كان على صعيد السلاح والتكنولوجيا، أم وهو الأهم، على صعيد الدعم الدولي الهائل، والذي يتجلى بسطوة غير مسبوقة على القرار السياسي في الولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى حالة الضعف غير المسبوقة التي يمر بها العرب. وما استباق أميركا إسرائيل بالانسحاب من «يونيسكو» أخيراً، كرمى لعيون إسرائيل، إلا دليلاً على سطوة اللوبي الصهيوني على القرار السياسي الأميركي.

كنا قد كتبنا في هذا المكان من «البيان» مقالاً بعنوان «إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة» بتاريخ 23 سبتمبر 2016، وقد تم تداول المقال عبر صفحات التواصل الاجتماعي وللأسف من دون اسم الكاتب أو «البيان» مع ملاحظة كتبها من وزعه «مقال يجب أن يُقرأ».

علماً أن المقال ليس محض تحليل سياسي بل التقاطة لما كتبه الكاتب الإسرائيلي آري شبيط في «هآرتس» عن الحالة الإسرائيلية الراهنة، حيث انتقد شبيط في المقال اليمين المتطرف في إسرائيل بزعامة نتانياهو قائلاً: إذا كانت الإسرائيلية واليهودية ليستا عاملاً حيوياً في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي، ليس فقط بالمعنى التقني، بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين.

هاجس نتانياهو أن يسجل له التاريخ أنه «ملك إسرائيل» لكنه يقرأ التاريخ بعين واحدة فكل ممالك إسرائيل التي أقيمت على أرض كنعان انهارت كما ستنهار «مملكة نتانياهو»!!

 

Email