نأسف لهذا الخلل غير الطارئ

ت + ت - الحجم الطبيعي

واضح أن هناك حملة ممنهجة على الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب من قبل الدول الراعية له، وواضح أيضاً أن هناك أدواراً موزعة، يتم تنفيذها بمتوالية زمنية ربما يكون متفقاً عليها، والدليل على ذلك هذا التناغم بين قناة «الجزيرة» القطرية وقناة «بي بي سي» البريطانية.

إذ لم يكد يمر أسبوع على بث قناة «الجزيرة» لبرنامج مسيء لدولة الإمارات العربية المتحدة تحت عنوان «إمارات الخوف»، حتى خرجت علينا قناة «بي بي سي» ببرنامج مسيء للمملكة العربية السعودية تحت عنوان «أمراء آل سعود المخطوفون».

والبرنامجان يحاولان أن يصورا البلدين الآمنين، اللذين يشكلان ركناً أساسياً من أركان الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، على أنهما دولتا مخابرات وخوف وخطف وتعذيب، تضطهدان مواطنيهما والمقيمين على أرضيهما، في محاولة لتشويه صورتيهما.

فهل هو من باب الصدفة أن يحدث هذا خلال فترة زمنية متقاربة، أم أن هناك تنسيقاً، والتوقيت مقصود، لأنه يأتي في وقت تحاول فيه دولة الإمارات والسعودية، مع شقيقتيهما مصر والبحرين، تجفيف منابع الإرهاب الداعمة للتطرف، التي تقدم لدعاته الملاذات الآمنة، التي ينطلقون منها للتآمر ونشر الإرهاب في كل مكان.

كما توفر لهم الدعم المادي الذي يساعدهم على تحقيق أهدافهم وفق الأجندات الموضوعة من قبل قياداتهم الهاربة من بلدانها الأصلية، ومن قبل تنظيمهم العالمي؟ هذه الحملات الممنهجة والمغرضة ليست وليدة الظرف الحالي.

فمنذ أن انطلقت قناة «الجزيرة» القطرية عام 1996 وهي تفتح أبوابها لدعاة الفتنة الهاربين من بلدانهم، فقد استضافت في بداياتها كلاً من الهاربين السعوديين المقيمين في لندن؛ الدكتور سعد الفقيه والدكتور محمد المسعري.

كما عملت على استضافة كل من يخون بلده، عدا المعارضين لنظام الحكم في قطر، الذين لم يجد واحد منهم فرصة لنشر خبر عن اعتقاله أو سجنه في بلده الذي تدعي قناته أنها منبر من لا منبر له، بينما هي تمعن في انحيازها لجماعات الإسلام السياسي التي ترعاها قطر، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمون» وقياداتها الهاربة، ويسفِّه مذيعوها رأي كل ضيف يخرج عن هذا الخط ويقمعونه.

بل يقاطعونه على الهواء ولا يتيحون له الفرصة للدفاع عن وجهة نظره، مثلما فعل المذيع جمال ريان مع الباحث السياسي المصري توفيق حميد الذي كان يتحدث من واشنطن، عندما حاول أن يقول إن تقرير صحيفة «واشنطن بوست» حول اتهام دولة الإمارات بقرصنة وكالة الأنباء القطرية أعلن بوضوح أن وكالات المخابرات الأميركية والدوائر الأمنية لم تقر بهذا الأمر، أو تؤكد هذه الاتهامات، لينبري له مذيع «الجزيرة» مهاجماً بشراسة.

متهماً إياه بأنه يحاول أن ينسف الموضوع من أساسه، مؤكداً أن الجهة التي نسبت إليها المعلومات هي الاستخبارات الأميركية، ولا يمكن النقل عنها من دون رضاها، وأن هذا معروف في السياسة والصحافة الأميركية، وأن الضيف يعرف هذا جيداً، ثم يقطع الحديث من دون أن يعطيه مجالاً للرد على افتراءاته.

حاضنات التطرف والإرهاب تعمل على تسخير القنوات التلفزيونية التي تبث من أراضيها في نشر الأكاذيب، وتصيد كل شاردة وواردة لاستغلالها في تشويه سمعة الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، وعلى رأس هذه الأبواق القنوات الإخوانية التي تبث من تركيا.

ويعمل بها مذيعون مصريون يدافعون بشراسة عن قطر والإرهابيين الذين تؤويهم، ويهاجمون الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، مع التركيز على مصر التي أحبطت المخطط الإخواني الذي استولى على السلطة فيها عاماً كاملاً، وأوعز إلى التنظيمات الإخوانية في الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، بالتحرك للاستيلاء على السلطة، يدفعهم الغرور والجهل بطبيعة هذه المجتمعات التي ترفض فكر الإخوان وغيرهم من المتطرفين، وتميل إلى الاعتدال.

بالإضافة إلى أنها تدين بالولاء لقادتها الذين حققوا لها الرفاهية التي تحلم بها كل شعوب الأرض، ووفروا لها الأمن والاستقرار اللذين تفتقدهما دول كثيرة، ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما في الدول الغربية التي تعاني من الإرهاب الذي يمارسه المتطرفون المقيمون على أرضها، والوافدون إليها من المناطق التي تعيث فيها تنظيمات الإسلام السياسي وجماعاته خراباً وتدميراً.

لماذا تثير هذه القنوات موضوعات مثل هذه في توقيت مثل هذا؟ ومن هو المستفيد من إثارة مثل هذه الموضوعات؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر مثل هذه البرامج في مواطني الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب؟

هذه الأسئلة تكمن إجاباتها في ما نعيشه ونشاهده، فالمستفيد من هذه البرامج هم الخونة والإرهابيون الهاربون من بلدانهم، أما تأثيرها على مواطني الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب والمقيمين فيها فهو معدوم تماماً.

بل هو عكسي لأن ما يعيشونه ويشاهدونه على أرض الواقع يدحض الأكاذيب التي تحاول هذه البرامج ترويجها، ففي حين تنعم هذه الدول بالأمن الذي تفتقده أغلب دول العالم، تزيد جماعات الإسلام السياسي وتنظيماته من هجماتها الإرهابية في الدول الغربية التي تحتضن قادتها وتقدم لهم الملاذ الآمن بدعوى حماية الحريات، غير مدركة أن هذه الجماعات لا تعترف بحرية لأحد سواها.

وأنها تقصي الجميع، بمن فيهم جماعات الإسلام السياسي الأخرى التي تختلف معها، مهما أظهر أفرادها من إيمان بالديمقراطية، وما هذه الدعاوى إلا القناع التي تختفي خلفه، وما خلف القناع قبيح جداً ومرعب.

ما يحدث في هذه القنوات ليس خللاً فنياً طارئاً، من ذلك النوع الذي تأسف له أحياناً، وإنما هو عمل تخريبي ممنهج، الهدف منه تشويه سمعة الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، والإساءة لرموزها، وهو ما لم يتحقق، ولن يتحقق.

 

 

Email